للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوَجْهُ النَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لِلْحَجِيجِ بِسُوءٍ وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ: أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي قَصَدُوا فِيهَا الْحَجَّ وَتَلَبَّسُوا عِنْدَهَا بِالْإِحْرَامِ، حَالَةُ خَيْرٍ وَقُرْبٍ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَتَذَكُّرِ نِعَمِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُعَانُوا عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا لِأَنَّ الْخَيْرَ يَتَسَرَّبُ إِلَى النَّفْسِ رُوَيْدًا، كَمَا أَنَّ الشَّرَّ يَتَسَرَّبُ إِلَيْهَا كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ سَيَجِيءُ عَقِبَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى.

وَالْفَضْلُ: خَيْرُ الدُّنْيَا، وَهُوَ صَلَاحُ الْعَمَلِ. وَالرِّضْوَانُ: رِضَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَهُوَ ثَوَابُ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْفَضْلِ الرِّبْحَ فِي التِّجَارَةِ، وَهَذَا بَعِيدٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ سَبَبُ النَّهْيِ إِلَّا إِذَا أُرِيدَ تَمْكِينُهُمْ مِنْ إِبْلَاغِ السِّلَعِ إِلَى مَكَّةَ.

وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا.

تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [الْمَائِدَة: ١] لِقَصْدِ تَأْكِيدِ الْإِبَاحَةِ. فَالْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ بَعْدَ النَّهْيِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ شَيْءٍ نَهْيًا مُسْتَمِرًّا، ثُمَّ الْأَمْرُ بِهِ كَذَلِكَ، وَمَا هُنَا: إِنَّمَا هُوَ نهي موقّت وَأَمْرٌ فِي بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ، فَلَا يَجْرِي هُنَا مَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنَ الْخِلَافِ فِي مَدْلُولِ صِيغَةِ الْأَمْرِ الْوَارِدِ بَعْدَ حَظْرٍ: أَهْوَ الْإِبَاحَةُ أَوِ النَّدْبُ أَوِ الْوُجُوبُ. فَالصَّيْدُ مُبَاحٌ بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقَدْ حُرِّمَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا انْتَهَتْ تِلْكَ الْحَالَةُ رَجَعَ إِلَى إِبَاحَته.

وفَاصْطادُوا صِيغَةُ افْتِعَالٍ، اسْتُعْمِلَتْ فِي الْكَلَامِ لِغَيْرِ مَعْنَى الْمُطَاوَعَةِ الَّتِي هِيَ مَدْلُولُ صِيغَةِ الِافْتِعَالِ فِي الْأَصْلِ، فَاصْطَادَ فِي كَلَامِهِمْ مُبَالِغَةً فِي صَادَ. وَنَظِيرُهُ: اضْطَرَّهُ إِلَى كَذَا. وَقد نزّل فَاصْطادُوا مَنْزِلَةَ فِعْلٍ لَازِمٍ فَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ مَفْعُولٌ.