للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا.

عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ مَضْمُونِهِ، أَيْ لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَوْ مَعَ عَدُوِّكُمْ إِذا لم يبدأوكم بِحَرْبٍ.

وَمَعْنَى يَجْرِمَنَّكُمْ يُكْسِبَنَّكُمْ، يُقَالُ: جَرَمَهُ يَجْرِمُهُ، مِثْلُ ضَرَبَ. وَأَصْلُهُ كَسَبَ، مِنْ جَرَمَ النَّخْلَةَ إِذَا جَذَّ عَرَاجِينَهَا، فَلَمَّا كَانَ الْجَرْمُ لِأَجْلِ الْكَسْبِ شَاعَ إِطْلَاقُ جَرَمَ بِمَعْنَى كَسَبَ، قَالُوا: جَرَمَ فُلَانٌ لِنَفْسِهِ كَذَا، أَيْ كَسَبَ.

وَعُدِّيَ إِلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ وَهُوَ أَنْ تَعْتَدُوا، وَالتَّقْدِيرُ: يُكْسِبُكُمُ الشَّنَآنُ الِاعْتِدَاءَ. وَأَمَّا تَعْدِيَتُهُ بِعَلَى فِي قَوْلِهِ: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا [الْمَائِدَة: ٨] فَلِتَضْمِينِهِ مَعْنَى يَحْمِلَنَّكُمْ.

وَالشَّنَآنُ- بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ فِي الْأَكْثَرِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ النُّونُ إِمَّا أَصَالَةً وَإِمَّا تَخْفِيفًا- هُوَ الْبُغْضُ. وَقِيلَ: شِدَّةُ الْبُغْضِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ، لِعَطْفِهِ عَلَى الْبَغْضَاءِ فِي قَوْلِ الْأَحْوَصِ:

أَنْمِي عَلَى الْبَغْضَاءِ وَالشَّنَآنِ وَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاضْطِرَابِ وَالتَّقَلُّبِ، لِأَنَّ الشَّنَآنَ فِيهِ اضْطِرَابُ النَّفْسِ، فَهُوَ مِثْلُ الْغَلَيَانِ وَالنَّزَوَانِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: شَنَآنُ- بِفَتْحِ النُّونِ-. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ- بِسُكُونِ النُّونِ-. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ سَاكِنَ النُّونِ وَصْفٌ مِثْلُ غَضْبَانَ، أَيْ عَدُوٌّ، فَالْمَعْنَى: لَا يَجْرِمَنَّكُمْ عَدُوُّ قَوْمٍ، فَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ. وَإِضَافَةُ شَنَآنَ إِذَا كَانَ مَصْدَرًا مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ، أَيْ بُغْضُكُمْ قَوْمًا، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: أَنْ صَدُّوكُمْ، لِأَنَّ الْمُبْغَضَ فِي الْغَالِبِ هُوَ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ.