للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالنَّكَالُ ضَرْبٌ مِنْ جَزَاءِ السُّوءِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَجَعَلْناها نَكالًا الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٦] .

وَانْتَصَبَ جَزاءً عَلَى الْحَالِ أَوِ الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، وَانْتَصَبَ نَكالًا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ جَزاءً بَدَلَ اشْتِمَالٍ.

فَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْقَطْعِ الْجَزَاءُ عَلَى السَّرِقَةِ جَزَاءً يُقْصَدُ مِنْهُ الرَّدْعُ وَعَدَمُ الْعَوْدِ، أَيْ جَزَاءً لَيْسَ بِانْتِقَامٍ وَلَكِنَّهُ اسْتِصْلَاحٌ. وَضَلَّ مَنْ حَسِبَ الْقَطْعَ تَعْوِيضًا عَنِ الْمَسْرُوقِ، فَقَالَ مِنْ بَيْتَيْنِ يُنْسَبَانِ إِلَى المعرّي (وليسا فِي «السَّقْطِ» وَلَا فِي «اللُّزُومِيَّاتِ» ) :

يَدٌ بِخمْس مئين عسجدا وُدِيَتْ ... مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ

وَنُسِبَ جَوَابُهُ لِعَلَمِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ:

عِزُّ الْأَمَانَةِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا ... ذُلُّ الْخِيَانَةِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي

وَقَوْلُهُ: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ أَيْ مَنْ تَابَ مِنَ السَّارِقِينَ مِنْ بَعْدِ السَّرِقَةِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَيْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٧] . وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ عُقُوبَةِ السَّرِقَةِ عَنِ السَّارِقِ إِنْ تَابَ قَبْلَ عِقَابِهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ (تَابَ- وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أَنَّهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ فِي جَزَاءِ الْآخِرَةِ فَقَوْلُهُ: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ تَرْغِيبٌ لِهَؤُلَاءِ الْعُصَاةِ فِي التَّوْبَةِ وَبِشَارةٌ لَهُمْ. وَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ عَلَى إِبْطَالِ حُكْمِ الْعُقُوبَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَمَا فِي آيَةِ الْمُحَارِبِينَ، فَلِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: تَوْبَةُ السَّارِقِ لَا تُسْقِطُ الْقَطْعَ وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَيَدُلُّ لِصِحَّةِ قَوْلِهِمْ أنّ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا تَائِبَةٌ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لِأَنَّ الْمُحَارِبَ مُسْتَبِدٌّ بِنَفْسِهِ مُعْتَصِمٌ بِقُوَّتِهِ لَا يَنَالُهُ الْإِمَامُ إِلَّا بِالْإِيجَافِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَأُسْقِطَ إِجْزَاؤُهُ بِالتَّوْبَةِ اسْتِنْزَالًا مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا فَعَلَ بِالْكَافِرِ فِي مَغْفِرَةِ جَمِيعِ مَا سَلَفَ اسْتِئْلَافًا عَلَى الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا السَّارِقُ وَالزَّانِي فَهُمَا فِي قَبْضَةِ الْمُسْلِمِينَ، اه.