للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتُسَاوِي دِينَارًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَتُسَاوِي نِصْفَ دِينَارٍ فِي قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.

وَلَمْ يَذْكُرِ الْقُرْآنُ فِي عُقُوبَةِ السَّارِقِ سِوَى قَطْعِ الْيَدِ. وَقَدْ كَانَ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ حُكْمًا مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، قَضَى بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَأَقَرَّهُ الْإِسْلَامُ كَمَا فِي الْآيَةِ. وَلَمْ يَرِدْ فِي السُّنَّةِ خَبَرٌ صَحِيحٌ إِلَّا بِقَطْعِ الْيَدِ. وَأَوَّلُ رَجُلٍ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي الْإِسْلَامِ الْخِيَارُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَوَّلُ امْرَأَةٍ قُطِعَتْ يَدُهَا الْمَخْزُومِيَّةُ مُرَّةُ بِنْتُ سُفْيَانَ.

فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَا يُبْدَأُ بِهِ فِي عُقُوبَةِ السَّارِقِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ. فَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْيَدُ الْيُمْنَى، وَقَالَ فَرِيقٌ: الْيَدُ الْيُسْرَى، فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيَةً، فَقَالَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ:

تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْمُخَالِفَةُ لِيَدِهِ الْمَقْطُوعَةِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يُحْبَسُ وَيُضْرَبُ.

وَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي لَأَسْتَحْيِي أَنْ أَقْطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ وَيَسْتَنْجِي أَوْ رِجْلَهُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَعْتَمِدُ فَإِنْ سَرَقَ الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ

فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: تُقْطَعُ يَدُهُ الْأُخْرَى وَرِجْلُهُ الْأُخْرَى، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ:

لَمْ يَبْلُغْنَا فِي السُّنَّةِ إِلَّا قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ،

وَالثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. وَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَأَيُّ شُبْهَةٍ أَعْظَمُ مِنِ اخْتِلَافِ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الْمُعْتَبَرِينَ.

وَالْجَزَاءُ: الْمُكَافَأَةُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْعَمَلَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، قَالَ تَعَالَى:

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً- إِلَى قَوْلِهِ- جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً فِي سُورَةِ النَّبَأِ [٣١- ٣٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فِي سُورَةِ الشُّورَى [٤٠] .

وَالنَّكَالُ: الْعِقَابُ الشَّدِيدُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَصُدَّ الْمُعَاقَبَ عَنِ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِ عَمَلِهِ الَّذِي عُوقِبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النُّكُولِ عَنِ الشَّيْءِ، أَيِ النُّكُوصِ عَنْهُ وَالْخَوْفِ مِنْهُ.