أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ لَهُ فَاعِلًا قَدْ نُقِلَ عَنْهُ الْفِعْلُ فَجُعِلَ لِلْهَوَى وَلِلْوَجْهِ» اه. وَلَقَدْ وَهِمَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ (١) فِي تَبْيِينِ كَلَامِ عَبْدِ الْقَاهِرِ فَطَفِقَ يَجْلِبُ الشَّوَاهِدَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالًا قَدْ أُسْنِدَتْ لِفَاعِلٍ مُجَازِيٍّ مَعَ أَنَّ فَاعِلَهَا الْحَقِيقِيَّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّ الشَّيْخَ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَبْحَثُ عَنِ الْفَاعِلِ الَّذِي يُسْنَدُ إِلَيْهِ الْفِعْلُ حَقِيقَةً فِي عُرْفِ النَّاسِ مِنْ مُؤْمِنِينَ وَكَافِرِينَ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: «إِذَا أَنْتَ نَقَلْتَ الْفِعْلَ إِلَيْهِ» أَيْ أَسْنَدْتَهُ إِلَيْهِ.
وَمَعْنَى الْمُسَارَعَةِ فِي الْكُفْرِ إِظْهَارُ آثَارِهِ عِنْدَ أَدْنَى مُنَاسَبَةٍ وَفِي كُلِّ فُرْصَةٍ، فَشَبَّهَ إِظْهَارَهُ الْمُتَكَرِّرَ بِإِسْرَاعِ الْمَاشِي إِلَى الشَّيْءِ، كَمَا يُقَالُ: أَسْرَعَ إِلَيْهِ الشَّيْبُ، وَقَوْلُهُ: إِذَا نُهِيَ السَّفِيهُ جَرَى إِلَيْهِ. وعدّي بفي الدَّالَّةِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاعَ مَجَازٌ بِمَعْنَى التَّوَغُّلِ، فَيَكُونُ (فِي) قَرِينَةَ الْمَجَازِ، كَقَوْلِهِمْ: أَسْرَعَ الْفَسَادُ فِي الشَّيْءِ، وَأَسْرَعَ الشَّيْبُ فِي رَأْسِ فُلَانٍ. فَجَعَلَ الْكُفْرَ بِمَنْزِلَةِ الظَّرْفِ وَجَعَلَ تَخَبُّطَهُمْ فِيهِ وَشِدَّةَ مُلَابَسَتِهِمْ إِيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ جَوَلَانِ الشَّيْءِ فِي الظَّرْفِ جَوَلَانًا بِنَشَاطٍ وَسُرْعَةٍ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ [الْمَائِدَة: ٦٢] ، وَقَوْلُهُ: نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٦] ، أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٦١] . فَهِيَ اسْتِعَارَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ. وَسَيَجِيءُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: يُسارِعُونَ فِيهِمْ [الْمَائِدَة: ٥٢] .
وَقَوْلُهُ: مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ إِلَخْ بَيَانٌ لِلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ. وَالَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ هُمُ الْمُنَافِقُونَ.
وَقَوْلُهُ: وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا.
وَقَوْلُهُ: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: هُمْ سَمَّاعُونَ
(١) فِي كِتَابه «نِهَايَة الإيجاز» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute