للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلْكَذِبِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُقَدَّرَ عَائِدٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ: الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ، بِقَرِينَةِ الْحَدِيثِ عَنِ الْفَرِيقَيْنِ.

وَحَذْفُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ حَذْفٌ اتُّبِعَ فِيهِ الِاسْتِعْمَالُ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَذْكُرُوا مُتَحَدِّثًا عَنْهُ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ شَيْءٍ أَمْرٌ عَجِيبٌ يَأْتُونَ بِأَخْبَارٍ عَنْهُ بِجُمْلَةٍ مَحْذُوفٍ الْمُبْتَدَأُ مِنْهَا، كَقَوْلِهِمْ لِلَّذِي يُصِيبُ بِدُونِ قَصْدٍ «رَمْيَةٌ مِنْ غَيْرِ رَامٍ» ، وَقَوْلِ أَبِي الرُّقَيْشِ:

سَرِيعٌ إِلَى ابْنِ الْعَمِّ يُلْطَمُ وَجْهُهُ ... وَلَيْسَ إِلَى دَاعِي النَّدَى بِسَرِيعِ

وَقَوْلِ بَعْضِ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ (١) :

فَتًى غَيْرُ مَحْجُوبِ الْغِنَى عَنْ صَدِيقِهِ ... وَلَا مُظْهِرُ الشَّكْوَى إِذَا النَّعْلُ زَلَّتِ

عَقِبَ قَوْلِهِ:

سَأَشْكُرُ عَمْرًا إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي ... أَيَادِيَ لَمْ تُمْنَنْ وَإِنْ هِيَ جَلَّتِ

وَالسَّمَّاعُ: الْكَثِيرُ السَّمْعِ، أَيِ الِاسْتِمَاعِ لِمَا يُقَالُ لَهُ. وَالسَّمْعُ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ، أَيْ أَنَّهُمْ يُصْغُونَ إِلَى الْكَلَامِ الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ كَذِبًا، أَيْ أَنَّهُمْ يَحْفَلُونَ بِذَلِكَ وَيَتَطَلَّبُونَهُ فَيَكْثُرُ سَمَاعُهُمْ إِيَّاهُ. وَفِي هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ تَفَشِّي الْكَذِبِ فِي جَمَاعَتِهِمْ بَيْنَ سَامِعٍ وَمُخْتَلِقٍ، لِأَنَّ كَثْرَةَ السَّمْعِ تَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ الْقَوْلِ. وَالْمُرَادُ بِالْكَذِبِ كَذِبُ أَحْبَارِهِمُ الزَّاعِمِينَ أَنَّ حُكْمَ الزِّنَى فِي التَّوْرَاةِ التَّحْمِيمُ.

وَجُمْلَةُ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ الْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ قَوْمٌ آخَرُونَ مِنْ كَتْمِ غَرَضِهِمْ عَن النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِنْ حَكَمَ بِمَا يَهْوَوْنَ اتَّبَعُوهُ وَإِنْ حَكَمَ بِمَا يُخَالِفُ


(١) قيل: هُوَ عبد الله بن الزبير- بِفَتْح الزَّاي وَكسر الموحّدة- الْأَسدي- وَقيل: إِبْرَاهِيم الصولي، وَقيل: محمّد بن سعيد الْكَاتِب.