إِجْدَاءِ الْمَوْعِظَةِ وَالْإِرْشَادِ فِيهِ. فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، أَيْ لَا تَبْلُغُ إِلَى هَدْيِهِ بِمَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الدَّعْوَةِ لِلنَّاسِ كَافَّةً.
وَهَذَا التَّرْكِيبُ يدلّ على كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحِيلَةِ فِي تَحْصِيلِ أَمْرٍ مَا. وَمَدْلُولُ مُفْرَدَاتِهِ أَنَّكَ لَا تَمْلِكُ، أَيْ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَقَلِّ شَيْءٍ مِنَ اللَّهِ، أَيْ لَا تَسْتَطِيعُ نَيْلَ شَيْءٍ مِنْ تَيْسِيرِ اللَّهِ لِإِزَالَةِ ضَلَالَةِ هَذَا الْمَفْتُونِ، لِأَنَّ مَادَّةَ الْمِلْكِ تَدُلُّ عَلَى تَمَامِ الْقُدْرَةِ، قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:
مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرَ فَتْقَهَا
أَيْ شَدَدْتُ بِالطَّعْنَةِ كَفِّي، أَيْ مَلَكْتُهَا بِكَفِّي،
وَقَالَ النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُيَيْنَةَ بن حصن «أَو أملك لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» .
وَفِي حَدِيثِ دَعْوَة الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيرَتَهُ «فَإِنِّي لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»
. وشَيْئاً مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ. وَتَنْكِيرُ شَيْئاً لِلتَّقْلِيلِ وَالتَّحْقِيرِ، لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَمَّا كَانَ بِمَعْنَى النَّفْيِ كَانَ انْتِفَاءُ مِلْكِ شَيْءٍ قَلِيلٍ مُقْتَضِيًا انْتِفَاءَ مِلْكِ الشَّيْءِ الْكَثِيرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَالْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ كَالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ:
وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ. وَالْمُرَادُ بِالتَّطْهِيرِ التَّهْيِئَةُ لِقَبُولِ الْإِيمَانِ وَالْهُدَى أَوْ أَرَادَ بِالتَّطْهِيرِ نَفْسَ قَبُولِ الْإِيمَانِ.
وَالْخِزْيُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا خِزْيٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٨٥] ، وَقَوْلِهِ: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٩٢] .
وَأَعَادَ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ لِلتَّأْكِيدِ وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ.
وَمَعْنَى أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ أَخَّاذُونَ لَهُ، لِأَنَّ الْأَكْلَ اسْتِعَارَةٌ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ.