للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالسُّحْتُ- بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْحَاءِ- الشَّيْءُ الْمَسْحُوتُ، أَيِ الْمُسْتَأْصَلُ. يُقَالُ: سَحَتَهُ إِذَا اسْتَأْصَلَهُ وَأَتْلَفَهُ. سُمِّيَ بِهِ الْحَرَامُ لِأَنَّهُ لَا يُبَارَكُ فِيهِ لِصَاحِبِهِ، فَهُوَ مَسْحُوتٌ وَمَمْحُوقٌ، أَيْ مُقَدَّرٌ لَهُ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا [الْبَقَرَة: ٢٧٦] ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدِعْ ... مِنَ الْمَالِ إِلَّا مُسْحَتٌ أَوْ مُجَنَّفُ

وَالسُّحْتُ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمَالِ الْحَرَامِ، كَالرِّبَا وَالرَّشْوَةِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْمَغْصُوبِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَخَلَفٌ «سُحْتٌ» - بِسُكُونِ الْحَاءِ- وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ- بِضَمِّ الْحَاءِ- إِتْبَاعًا لِضَمِّ السّين.

فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

تَفْرِيعٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ وَقَوْلُهُ:

يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى حِوَارٍ وَقَعَ بَيْنَهُمْ فِي إِيفَادِ نَفَرٍ مِنْهُمْ إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلتَّحْكِيمِ فِي شَأْنِ مِنْ شُئُونِهِمْ مَالَتْ أَهْوَاؤُهُمْ إِلَى تَغْيِيرِ حُكْمِ التَّوْرَاةِ فِيهِ

بِالتَّأْوِيلِ أَوِ الْكِتْمَانِ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مُنْكِرُونَ أَوْ طَالَبُوهُمْ بِالِاسْتِظْهَارِ عَلَى تَأْوِيلِهِمْ فَطَمِعُوا أَنْ يَجِدُوا فِي تحكيم النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعْتَضِدُونَ بِهِ. وَظَاهِرُ الشَّرْطِ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ رَسُولَهُ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي حُكْمِ حَدِّ الزِّنَا، وَبِعَزْمِهِمْ عَلَى تَحْكِيمِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ الْمُسْتَفْتُونَ. وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوءَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ المُرَاد: فَإِن جاؤوك مَرَّةً أُخْرَى فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ.

وَقَدْ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ. وَوَجْهُ التَّخْيِيرِ تَعَارُضُ السَّبَبَيْنِ فَسَبَبُ إِقَامَةِ الْعَدْلِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ