للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَلِكَ الْفِعْلُ بِاللَّامِ إِلَى الْمَشْهُودِ لَهُ، أَيِ الْمُحِقِّ، بَلْ هُوَ هُنَا مِثْلُ الَّذِي يَتَعَدَّى بِهِ فِعْلُ (حَفِظَ وَرَقَبَ) وَنَحْوُهُمَا، أَيْ وَكَانُوا حَفَظَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَحُرَّاسًا لَهُ مِنْ سُوءِ الْفَهْمِ وَسُوءِ التَّأْوِيلِ وَيَحْمِلُونَ أَتْبَاعَهُ عَلَى حَقِّ فَهْمِهِ وَحَقِّ الْعَمَلِ بِهِ.

وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِجُمْلَةِ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ الْمُتَفَرِّعَةِ بِالْفَاءِ عَلَى قَوْلِهِ:

وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ، إِذِ الْحَفِيظُ عَلَى الشَّيْءِ الْأَمِينُ حَقُّ الْأَمَانَةِ لَا يَخْشَى أَحَدًا فِي الْقِيَامِ بِوَجْهِ أَمَانَتِهِ وَلَكِنَّهُ يَخْشَى الَّذِي اسْتَأْمَنَهُ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ

لِيَهُودِ زَمَانَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَمَّا حُكِيَ عَنْ فِعْلِ سَلَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِيَكُونُوا قُدْوَةً لِخَلَفِهِمْ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَالْجُمْلَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُعْتَرِضَةٌ وَيَجُوزُ

أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلنَّبِيئِينَ وَالرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ فَهِيَ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ قُلْنَا لَهُمْ: فَلَا تَخْشَوُا النّاس. والتّفريع ناشىء عَنْ مَضْمُونِ قَوْلِهِ: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ، لِأَنَّ تَمَامَ الِاسْتِحْفَاظِ يَظْهَرُ فِي عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِالنَّاسِ رَضُوا أَمْ سَخِطُوا، وَفِي قَصْرِ الِاعْتِدَادِ عَلَى رِضَا اللَّهِ تَعَالَى.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مَعْنَى وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٤١] .

وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَحْكِيِّ بِقَوْلِهِ: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ، لِأَنَّ مَعْنَى خَشْيَةِ النَّاسِ هُنَا أَنْ تُخَالَفَ أَحْكَامُ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ أَوْ غَيْرِهَا مَنْ كُتُبِ اللَّهِ لِإِرْضَاءِ أَهْوِيَةِ النَّاسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا عُقِّبَتْ بِهِ تِلْكَ الْعِظَاتُ الْجَلِيلَةُ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَالْمَقْصُودُ الْيَهُودُ وَتَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مِثْلِ صُنْعِهِمْ.

وَ (مَنْ) الْمَوْصُولَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْفَرِيقَ الْخَاصَّ الْمُخَاطَبَ بِقَوْلِهِ: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا، وَهُمُ الَّذِينَ أَخْفَوْا بَعْضَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ مِثْلَ حُكْمِ الرَّجْمِ فَوَصَفَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ بِمَا جَحَدُوا مِنْ شَرِيعَتِهِمُ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَهُمْ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُمُ اتَّصَفُوا بِالْكُفْرِ مِنْ قَبْلُ فَإِذَا لَمْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَذَلِكَ مِنْ آثَارِ كُفْرِهِمُ السَّابِقِ.