للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسَ وَتَكُونَ الصِّلَةُ إِيمَاءً إِلَى تَعْلِيلِ كَوْنِهِمْ كَافِرِينَ فَتَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَحْكُمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ يَكْفُرُ. وَقَدِ اقْتَضَى هَذَا قَضِيَّتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: كَوْنُ الَّذِي يَتْرُكُ الْحُكْمَ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ التَّوْرَاةُ مِمَّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَى مُوسَى كَافِرًا، أَوْ تَارِكُ الْحُكْمِ بِكُلِّ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى الرُّسُلِ كَافِرًا وَالثَّانِيَةُ: قَصْرُ وَصْفِ الْكُفْرِ عَلَى تَارِكِ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ.

فَأَمَّا الْقَضِيَّةُ الْأُولَى: فَالَّذِينَ يُكَفِّرُونَ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ يَأْخُذُونَ بِظَاهِرِ هَذَا. لِأَنَّ الْجَوْرَ فِي الْحُكْمِ كَبِيرَةٌ وَالْكَبِيرَةُ كُفْرٌ عِنْدَهُمْ. وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِكُفْرِ نِعْمَةٍ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْكَبَائِرِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ كَمَا قَرَّرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَأَمَّا جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَهِيَ عِنْدَهُمْ قَضِيَّةٌ مُجْمَلَةٌ، لِأَنَّ تَرْكَ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ يَقَعُ عَلَى أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ فَبَيَانُ إِجْمَالِهِ بِالْأَدِلَّةِ الْكَثِيرَةِ الْقَاضِيَةِ بِعَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالذُّنُوبِ، وَمَسَاقُ الْآيَةِ يُبَيِّنُ إِجْمَالَهَا. وَلِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِمَنْ لَمْ يَحْكُمْ هُنَا خُصُوصُ الْيَهُودِ، قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَرَوَاهُ عَنْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» . فَعَلَى هَذَا تَكُونُ (مَنْ) مَوْصُولَةً، وَهِيَ بِمَعْنَى لَامِ الْعَهْدِ. وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ: وَمَنْ تَرَكَ الْحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَرْكًا

مِثْلَ هَذَا التَّرْكِ، هُوَ تَرْكُ الْحُكْمِ الْمَشُوبُ بِالطَّعْنِ فِي صَلَاحِيَّتِهِ. وَقَدْ عُرِفَ الْيَهُودُ بِكَثْرَةِ مُخَالَفَةِ حُكَّامِهِمْ لِأَحْكَامِ كِتَابِهِمْ بِنَاءً عَلَى تَغْيِيرِهِمْ إِيَّاهَا بِاعْتِقَادِ عَدَمِ مُنَاسَبَتِهَا لِأَحْوَالِهِمْ كَمَا فَعَلُوا فِي حَدِّ الزِّنَى فَيَكُونُ الْقَصْرُ ادِّعَائِيًّا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِسَبَبِ نُزُولِ الْآيَاتِ الَّتِي كَانَتْ هَذِهِ ذَيْلًا لَهَا فَيَكُونُ الْمَوْصُولُ لِتَعْرِيفِ أَصْحَابِ هَذِهِ الصِّلَةِ وَلَيْسَ مُعَلِّلًا لِلْخَبَرِ. وَزِيدَتِ الْفَاءُ فِي خَبَرِهِ لِمُشَابَهَتِهِ بِالشَّرْطِ فِي لُزُومِ خَبَرِهِ لَهُ، أَيْ أَنَّ الَّذِينَ عُرِفُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ هُمُ الَّذِينَ إِنْ سَأَلْتَ عَنِ الْكَافِرِينَ فَهُمْ هُمْ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا وَأَسَاءُوا الصُّنْعَ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ: الْمُرَادُ مِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مَنْ تَرَكَ الْحُكْمَ بِهِ جَحْدًا لَهُ، أَوِ اسْتِخْفَافًا بِهِ، أَوْ طَعْنًا فِي حَقِّيَّتِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ كَوْنِهِ حُكْمَ اللَّهِ بِتَوَاتُرٍ أَوْ سَمَاعِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، سَمِعَهُ الْمُكَلَّفُ بِنَفْسِهِ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ