للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَكْتُوبُ عَلَيْهِمْ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ (أَنْ) . وَالْمَصْدَرُ فِي مِثْلِ هَذَا يُؤْخَذُ مِنْ مَعْنَى حَرْفِ الْبَاءِ الَّذِي هُوَ التَّعْوِيضُ، أَيْ كَتَبْنَا تَعْوِيضَ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ، أَيِ النَّفْسُ الْمَقْتُولَةُ

بِالنَّفْسِ الْقَاتِلَةِ، أَيْ كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ مُسَاوَاةَ الْقِصَاصِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَى فَتْحِ هَمْزَةِ (أَنَّ) هُنَا، لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ فِي التَّوْرَاةِ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ هَذِهِ الْجُمَلِ وَلَكِنِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ مِنْهَا وَهُوَ الْعِوَضِيَّةُ وَالْمُسَاوَاةُ فِيهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا- بِالنَّصْبِ- عَطْفًا عَلَى اسْمِ (أَنَّ) .

وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ- بِالرَّفْعِ-. وَذَلِكَ جَائِزٌ إِذَا اسْتَكْمَلَتْ (أَنَّ) خَبَرَهَا فَيُعْتَبَرُ الْعَطْفُ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمْلَةِ.

وَالنَّفْسُ: الذَّاتُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٤٤] . وَالْأُذن- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ، وَبِضَمِّ الذَّالِ أَيْضًا-. وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الْأُولَى نَفْسُ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي وَالْعَيْنَ إِلَخْ.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِالنَّفْسِ وَنَظَائِرِهِ الْأَرْبَعَةِ بَاءُ الْعِوَضِ، وَمَدْخُولَاتُ الْبَاءِ كُلُّهَا أَخْبَارُ (أَنَّ) ، وَمُتَعَلِّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي كُلٍّ مِنْهَا مَحْذُوفٌ، هُوَ كَوْنٌ خَاصٌّ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَيُقَدَّرُ: أَنَّ النَّفْسَ الْمَقْتُولَةَ تُعَوَّضُ بِنَفْسِ الْقَاتِلِ وَالْعَيْنَ الْمُتْلَفَةَ تُعَوَّضُ بِعَيْنِ الْمُتْلِفِ، أَيْ بِإِتْلَافِهَا وَهَكَذَا النَّفْسُ مُتْلَفَةٌ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنُ مَفْقُوءَةٌ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفُ مَجْدُوعٌ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنُ مَصْلُومَةٌ بِالْأُذُنِ.

وَلَامُ التَّعْرِيفِ فِي الْمَوَاضِعِ الْخَمْسَةِ دَاخِلَةٌ عَلَى عُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَمَجْرُورَاتُ الْبَاءِ الْخَمْسَةُ عَلَى أَعْضَاءِ الْجَانِي. وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْإِصْبَعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَكُونُ غَالِبًا عِنْدَ الْمُضَارَبَةِ بِقَصْدِ قَطْعِ الرَّقَبَةِ، فَقَدْ يَنْبُو السَّيْفُ عَنْ قَطْعِ الرَّأْسِ فَيُصِيبُ بَعْضَ الْأَعْضَاءِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ أَنْفٍ أَوْ أُذُنٍ أَوْ سِنٍّ. وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمُصَاوَلَةِ لِأَنَّ الْوَجْهَ يُقَابِلُ الصَّائِلَ، قَالَ الْحُرَيْشُ بْنُ هِلَالٍ:

نُعَرِّضُ لِلسُّيُوفِ إِذَا الْتَقَيْنَا ... وُجُوهًا لَا تُعَرَّضُ لِلِّطَامِ