للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعْنَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مَنْ آمَنَ وَدَامَ، وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُغَيِّرُوا أَدْيَانَهُمْ بِالْإِشْرَاكِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْيَهُودِ خَلَطُوا أُمُورَ الشِّرْكِ بِأَدْيَانِهِمْ وَعَبَدُوا الْآلِهَةَ كَمَا تَقُولُ التَّوْرَاةُ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ عُزَيْرًا ابْنًا لِلَّهِ، وَإِنَّ النَّصَارَى أَلَّهُوا عِيسَى وَعَبَدُوهُ، وَالصَّابِئَةُ عَبَدُوا الْكَوَاكِبَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا عَلَى دِينٍ لَهُ كِتَابٌ. وَقَدْ مَضَى بَيَانُ دِينِهِمْ فِي تَفْسِيرِ نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٢] .

ثُمَّ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَدْ أَحْدَثُوا فِي عَقِيدَتِهِمْ مِنَ الْغُرُورِ فِي نَجَاتِهِمْ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ بِقَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَة: ١٨] وَقَوْلِهِمْ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَة: ٨٠] ، وَقَوْلِ النَّصَارَى: إِنَّ عِيسَى قَدْ كَفَّرَ خَطَايَا الْبَشَرِ بِمَا تَحَمَّلَهُ مِنْ عَذَابِ الطَّعْنِ وَالْإِهَانَةِ وَالصَّلْبِ وَالْقَتْلِ، فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، لِأَنَّهُمْ عَطَّلُوا الْجَزَاءَ وَهُوَ الْحِكْمَةُ الَّتِي قُدِّرَ الْبَعْثُ لِتَحْقِيقِهَا.

وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ جعلُوا قَوْله وَالصَّابِئُونَ مُبْتَدَأً وَجَعَلُوهُ مُقَدَّمًا مِنْ وَتَأْخِير وَقَدَّرُوا لَهُ خَبَرًا مَحْذُوفًا لِدَلَالَةِ خَبَرِ (إِنَّ) عَلَيْهِ، وَأَنَّ أَصْلَ النَّظْمِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى لَهُمْ أَجْرُهُمْ إِلَخْ، وَالصَّابُونَ كَذَلِكَ، جَعَلُوهُ كَقَوْلِ ضَابِي بْنِ الْحَارِث:

فإنّي وقبّار بِهَا لَغَرِيبُ وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ قَدَّرُوا تَقَادِيرَ أُخْرَى أَنْهَاهَا الْأَلُوسِيُّ إِلَى خَمْسَةٍ. وَالَّذِي سَلَكْنَاهُ أَوْضَحُ وَأَجْرَى عَلَى أُسْلُوبِ النَّظْمِ وَأَلْيَقُ بِمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ.

وَبَعْدُ فَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُوقَنَ بِهِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كَذَلِكَ نَزَلَ، وَكَذَلِكَ نَطَقَ بِهِ النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ تَلَقَّاهُ الْمُسلمُونَ مِنْهُ وقرؤوه، وَكُتِبَ فِي الْمَصَاحِفَ، وَهُمْ عَرَبٌ خُلَّصٌ، فَكَانَ لَنَا أَصْلًا نَتَعَرَّفُ مِنْهُ أُسْلُوبًا مِنْ أَسَالِيبِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ فِي الْعَطْفِ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالًا غَيْرَ شَائِعٍ لَكِنَّهُ مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْإِيجَازِ بِمَكَانٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنَ الشَّائِعِ فِي الْكَلَامِ أَنَّهُ إِذَا أُتِي بِكَلَام موكّد بِحَرْفِ (إِنَّ) وَأُتِيَ بِاسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا وَأُرِيدَ أَنْ يَعْطِفُوا عَلَى اسْمِهَا مَعْطُوفًا هُوَ