النَّصَارَى، وَهِيَ مَقَالَةُ (الملكانيّة المسمّين بالجعاثليقيّة) ، وَعَلَيْهَا مُعْظَمُ طَوَائِفِ النَّصَارَى فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ [١٧١] ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فِيهَا وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ يَجْمَعُ الرَّدَّ عَلَى طَوَائِفِ النَّصَارَى كُلِّهِمْ.
وَالْمُرَادُ بِ قالُوا اعْتَقَدُوا فَقَالُوا، لِأَنَّ شَأْنَ الْقَوْلِ أَنْ يكون صادرا على اعْتِقَادٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ أَنَّ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ أَنَّهُ اللَّهُ هُوَ مَجْمُوعُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلِاسْمِ هُوَ أَحَدُ تِلْكَ الثّلاثة الْأَشْيَاءِ. وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ قَدْ عَبَّرُوا عَنْهَا بِالْأَقَانِيمِ وَهِيَ: أُقْنُومُ الْوُجُودِ، وَهُوَ الذَّاتُ الْمُسَمَّى اللَّهُ، وَسَمَّوْهُ أَيْضًا الْأَبَ وَأُقْنُومُ الْعِلْمِ، وَسَمَّوْهُ أَيْضًا الِابْنَ، وَهُوَ الَّذِي اتَّحَدَ بِعِيسَى وَصَارَ بِذَلِكَ عِيسَى إِلَهًا وَأُقْنُومُ الْحَيَاةِ وَسَمَّوْهُ الرُّوحَ الْقُدُسَ. وَصَارَ جُمْهُورُهُمْ، وَمِنْهُمُ الرَّكُوسِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمَّا اتَّحَدَ بِمَرْيَمَ حِينَ حَمْلِهَا بِالْكَلِمَةِ تَأَلَّهَتْ مَرْيَمُ أَيْضًا، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا هَلْ
هِيَ أُمُّ الْكَلِمَةِ أَمْ هِيَ أُمُّ اللَّهِ.
فَقَوْلُهُ: ثالِثُ ثَلاثَةٍ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَصُوغُ مِنِ اسْمِ الْعَدَدِ مِنَ اثْنَيْنِ إِلَى عَشَرَةِ، صِيغَةَ فَاعِلٍ مُضَافًا إِلَى اسْمِ الْعَدَدِ الْمُشْتَقِّ هُوَ مِنْهُ لِإِرَادَةِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ نَحْوَ ثانِيَ اثْنَيْنِ [التَّوْبَة: ٤٠] ، فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْمُشْتَقَّ لَهُ وَزْنُ فَاعِلٍ هُوَ الَّذِي أَكْمَلَ الْعَدَدَ أَضَافُوا وَزْنَ فَاعِلٍ إِلَى اسْمِ الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ أَرْقَى مِنْهُ فَقَالُوا: رَابِعُ ثَلَاثَةٍ، أَيْ جَاعِلُ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعَةً.
وَقَوْلُهُ: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ لَقَدْ كَفَرَ لِبَيَانِ الْحَقِّ فِي الِاعْتِقَادِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ.
وَيَجُوزُ جَعْلُ الْجُمْلَةِ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ قالُوا، أَيْ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ، فَيَكُونُ كَالتَّعْلِيلِ لِكُفْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ نَفْيٌ عَنِ الْإِلَهِ الْحَقِّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاحِدٍ فَإِنَّ (مِنْ) لِتَأْكِيدِ عُمُومِ النَّفْيِ فَصَارَ النَّفْيُ بِ مَا الْمُقْتَرِنَةِ بِهَا مُسَاوِيًا لِلنَّفْيِ بِ (لَا) النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الْجِنْسِ نَصًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute