وَقَوْلُهُ: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ اسْتِئْنَافٌ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ الَّذِينَ ادَّعَوْا الْإِلَهِيَّةَ لِعِيسَى. وَالْخِطَابُ مُرَادٌ بِهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْحُجَجَ السَّابِقَةَ. وَاسْتَعْمَلَ الْأَمْرَ بِالنَّظَرِ فِي الْأَمْرِ بِالْعِلْمِ لِتَشْبِيهِ الْعَالِمِ بِالرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِالرُّؤْيَةِ فِي الْوُضُوحِ وَالْجَلَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ نَظَائِرُهُ. وَقَدْ أَفَادَ ذَلِكَ مَعْنَى التَّعْجِيبِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. وَالْمُرَادُ هُوَ وَأَهْلُ الْقُرْآنِ. وكَيْفَ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مُعَلِّقٌ لِفِعْلِ انْظُرْ عَنِ الْعَمَلِ فِي مَفْعُولَيْنِ، وَهِيَ مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ بِهِ لِ انْظُرْ، وَالْمَعْنَى انْظُرْ جَوَابَ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ. وَأُرِيدَ مَعَ الِاسْتِفْهَامِ التَّعْجِيبُ كِنَايَةً، أَيِ انْظُرْ ذَلِكَ تَجِدْ جَوَابَكَ أَنَّهُ بَيَانٌ عَظِيمُ الْجَلَاءِ يَتَعَجَّبُ النَّاظِرُ مِنْ وُضُوحِهِ. وَالْآيَاتُ جَمْعُ آيَةٍ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ عَلَى وُجُودِ
الْمَطْلُوبِ، اسْتُعِيرَتْ لِلْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ لِشُبْهَةٍ بِالْمَكَانِ الْمَطْلُوب على طَرِيق الْمُكَنِّيَةِ، وَإِثْبَاتُ الْآيَاتِ لَهُ تَخْيِيلٌ، شُبِّهَتْ بِآيَاتِ الطَّرِيقِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَكَانِ الْمَطْلُوبِ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (ثُمَّ) فِيهِ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّأَمُّلَ فِي بَيَانِ الْآيَاتِ يَقْتَضِي الِانْتِقَالَ مِنَ الْعَجَبِ مِنْ وُضُوحِ الْبَيَانِ إِلَى أَعْجَبَ مِنْهُ وَهُوَ انْصِرَافُهُمْ عَنِ الْحَقِّ مَعَ وُضُوحِهِ. ويُؤْفَكُونَ يُصْرَفُونَ، يُقَالُ: أَفَكَهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، صَرَفَهُ عَنِ الشَّيْءِ.
وأَنَّى اسْمُ اسْتِفْهَامٍ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مِنْ أَيْنَ، وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى كَيْفَ. وَهُوَ هُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى كَيْفَ (كَمَا) فِي «الْكَشَّافِ» ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ إِعَادَةِ كَيْفَ تَفَنُّنًا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مِنْ أَيْنَ، وَالْمَعْنَى التَّعْجِيبُ مِنْ أَيْنَ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمُ الصَّرْفُ عَنِ الِاعْتِقَادِ الْحَقِّ بَعْدَ ذَلِك الْبَيَان المبالغ غَايَةَ الْوُضُوحِ حَتَّى كَانَ بِمَحَلِّ التَّعْجِيبِ مِنْ وُضُوحِهِ. وَقَدْ عَلَّقَ بِ أَنَّى فِعْلَ انْظُرْ الثَّانِي عَنِ الْعَمَلِ وَحَذَفَ مُتَعَلِّقَ يُؤْفَكُونَ اخْتِصَارًا، لِظُهُورِ أَنَّهُمْ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي بَيَّنَتْهُ لَهُم الْآيَات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute