للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْوِجْدَانُ هَنَا وِجْدَانٌ قَلْبِيٌّ، وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِلْمِ، وَلِذَلِكَ يُعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٩٦] .

وَانْتَصَبَ عَداوَةً عَلَى تَمْيِيزِ نِسْبَةِ أَشَدَّ إِلَى النَّاسِ، وَمِثْلُهُ انْتِصَابُ مَوَدَّةً.

وَذَكَرَ الْمُشْرِكِينَ مَعَ الْيَهُودِ لِمُنَاسَبَةِ اجْتِمَاعِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى عَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ أَلَّفَ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ بُغْضُ الْإِسْلَامِ فَالْيَهُودُ لِلْحَسَدِ عَلَى مَجِيءِ النُّبُوءَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ،

وَالْمُشْرِكُونَ لِلْحَسَدِ عَلَى أَنْ سَبَقَهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِالِاهْتِدَاءِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَنَبْذِ الْبَاطِلِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً أَيْ أَقْرَبَ النَّاسِ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ أَقْرَبَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِسْلَامِ. وَهَذَانِ طَرَفَانِ فِي مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَبَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فِرَقٌ مُتَفَاوِتَةٌ فِي بُغْضِ الْمُسْلِمِينَ، مِثْلُ الْمَجُوسِ وَالصَّابِئَةِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْمُعَطِّلَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالنَّصَارَى هُنَا الْبَاقُونَ عَلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ لَا مَحَالَةَ، لِقَوْلِهِ: أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا. فَأَمَّا مَنْ آمَنَ مِنَ النَّصَارَى فَقَدْ صَارَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ قَوْلِهِ: الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ [الْمَائِدَة: ١٤] ، الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمُ الْتَزَمُوا أَنْ يَكُونُوا أنصار الله قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ [الصَّفّ: ١٤] ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ نَظِيرِهِ. فَالْمَقْصُودُ هُنَا تَذْكِيرُهُمْ بِمَضْمُونِ هَذَا اللَّقَبِ لِيَزْدَادُوا مِنْ مَوَدَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَّبِعُوا دِينَ الْإِسْلَامِ.

وَقَوْلُهُ: ذلِكَ الْإِشَارَةُ إِلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ أَقْرَبُ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا.