عُدْنَا وَلَوْلَا نَحْنُ أَحْدَقَ جَمْعُهُمْ ... بِالْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوا مَا جَمَّعُوا
يُرِيدُ بِضَمِيرِ (أَحْرَزُوا) جَمَاعَةَ الْمُشْرِكِينَ، وَبِضَمِيرِ (جَمَّعُوا) جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ.
وَيُعَضِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْمَعْنِيَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَمَانِيَةٌ مِنْ نَصَارَى الشَّامِ كَانُوا فِي بِلَادِ الْحَبَشَةِ وَأَتَوْا الْمَدِينَةَ مَعَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ رَاهِبًا مِنَ الْحَبَشَةِ مُصَاحِبِينَ لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنْ هِجْرَتِهِمْ بِالْحَبَشَةِ وَسَمِعُوا الْقُرْآنَ وَأَسْلَمُوا. وَهُمْ: بَحِيرَا الرَّاهِبُ، وَإِدْرِيسُ، وَأَشْرَفُ، وَأَبْرَهَةُ، وَثُمَامَةُ، وَقُثَمُ، وَدُرَيْدٌ، وَأَيْمَنُ، أَيْ مِمَّنْ يُحْسِنُونَ الْعَرَبِيَّةَ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ فَهْمِ الْقُرْآنِ عِنْدَ سَمَاعِهِ. وَهَذَا الْوَفْدُ وَرَدَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ الَّذِينَ عَادُوا مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ فَكَانَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَذْكِيرًا بِفَضْلِهِمْ. وَهِيَ مِنْ آخَرِ مَا نَزَلَ وَلَمْ يُعْرَفْ قَوْمٌ مُعَيَّنُونَ مِنَ النَّصَارَى أَسْلَمُوا فِي زمن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَعَلَّ اللَّهَ أَعْلَمَ رَسُولَهُ بِفَرِيقٍ مِنَ النَّصَارَى آمنُوا بمحمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُلُوبِهِمْ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ لِقَائِهِ وَلَا مِنْ إِظْهَارِ إِيمَانِهِمْ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ مِنَ الشَّرِيعَةِ إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ تَمَسَّكُوا بِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا اشْتِرَاطَ إِظْهَارِ الْإِيمَانِ الْمُسَمَّى بِالْإِسْلَامِ، وَهَؤُلَاءِ يُشْبِهُ حَالُهُمْ حَالَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، لِأَنَّ بُلُوغَ الدَّعْوَةِ مُتَفَاوِتُ الْمَرَاتِبِ. وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ أَوْ بِالْيَمَنِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّجَاشِيِّ (أَصْحَمَةَ) مِنْهُمْ. وَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ أَخْبَرَ عَنْهُ بذلك النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْأُمَّةَ الَّتِي فِيهَا أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ تَكُونُ قَرِيبَةً مِنْ مَوَدَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالرَّسُولُ هُوَ محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هُوَ غَالِبٌ عَلَيْهِ فِي إِطْلَاقِهِ فِي الْقُرْآنِ. وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ هُوَ الْقُرْآنُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute