للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حِينَ أَلْقَتْ بِقُبَاءِ بَرْكِهَا ... وَاسْتَمَرَّ الْقَتْلُ فِي عَبْدِ الْأَشَلِ

أَيْ عَبْدُ الْأَشْهَلِ. وَقَول أبي فؤاد:

يَدْرِينَ حَنْدَلَ حَائِرٌ لِجَنُوبِهَا ... فَكَأَنَّمَا تُذْكَى سَنَابِكُهَا الْحُبَا

أَرَادَ الْحُبَاحِبَ. وَقَالَ الْأَخْطَلُ:

أَمْسَتْ مَنَاهَا بِأَرْضٍ مَا يُبَلَّغُهَا ... بِصَاحِبِ الْهَمِّ إِلَّا الْجَسْرَةُ الْأُجُدُ

أَرَادَ مَنَازِلَهَا. وَوَقَعَ ( «طِرَازِ الْمُجَالِسِ» - الْمَجْلِسِ) (١) لِلْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ مَعَ التَّوْرِيَةِ كَقَوْلِ ابْنِ مَكَانِسَ:

لَمْ أَنْسَ بَدْرًا زَارَنِي لَيْلَةً ... مُسْتَوْفِزًا مَطْلَعًا لِلْخَطَرِ

فَلَمْ يَقُمْ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا ... قُلْتُ لَهُ أَهْلًا وَسَهْلًا وَمَرْ

أَرَادَ بَعْضَ كَلِمَةِ مَرْحَبًا وَقَدْ أَكْثَرْتُ مِنْ شَوَاهِدِهِ تَوْسِعَةً فِي مَوَاقِعِ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ الْغَرِيبِ وَلَسْتُ أُرِيدُ بِذَلِكَ تَصْحِيحَ حَمْلِ حُرُوفِ فَوَاتِحِ السُّوَرِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ تَخْرِيجُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَعَهَا مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ مَعَ التَّوْرِيَةِ بِجَعْلِ مَرَّ مِنَ الْمُرُورِ.

الْقَوْلُ الثَّامِنُ أَنَّهَا إِشَارَاتٌ إِلَى أَحْوَالٍ مِنْ تَزْكِيَةِ الْقَلْبِ، وَجَعَلَهَا فِي «الْفُتُوحَاتِ» فِي الْبَابِ الثَّانِي إِيمَاءً إِلَى شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ جُمْلَةَ الْحُرُوفِ الْوَاقِعَةِ فِي أَوَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ عَلَى تَكْرَارِ الْحُرُوفِ ثَمَانِيَةً وَسَبْعُونَ حَرْفًا وَالثَّمَانِيَةُ هُنَا هِيَ حَقِيقَةُ الْبِضْعِ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بِالْكَشْفِ فَيَكُونُ عَدَدُ الْحُرُوفِ ثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ وَقَدْ

قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً»

فَهَذِهِ الْحُرُوفُ هِيَ شُعَبُ الْإِيمَانِ، وَلَا يَكْمُلُ لِأَحَدٍ أَسْرَارَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ حَقَائِقَ هَذِهِ الْحُرُوفِ فِي سُوَرِهَا. وَكَيْفَ يَزْعُمُ زَاعِمٌ أَنَّهَا وَارِدَةٌ فِي مَعَانٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ مَعَ ثُبُوتِ تَلَقِّي السَّامِعِينَ لَهَا بِالتَّسْلِيمِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُعَانِدٍ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْهَا مَعْنًى مَعْرُوفًا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ لَسَأَلَ السَّائِلُونَ وَتَوَرَّكَ الْمُعَانِدُونَ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: لَوْلَا أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَعْرِفُونَ لَهَا مَدْلُولًا مُتَدَاوَلًا بَيْنَهُمْ لَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ تَلَا عَلَيْهِمْ حم فُصِّلَتْ وص وَغَيْرَهُمَا فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ مَعَ تَشَوُّفِهِمْ إِلَى عَثْرَةٍ وَحِرْصِهِمْ عَلَى زَلَّةٍ قُلْتُ وَقَدْ سَأَلُوا عَنْ أَوْضَحَ مِنْ هَذَا فَقَالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [الْفرْقَان: ٦٠] ، وَأَمَّا مَا اسْتَشْهَدُواُُ


(١) نسبه إِلَيْهِ الْمبرد فِي «الْكَامِل» ص ٢٤٥. وسيبويه فِي «كِتَابه» ص ٥٧ جُزْء ٢ وتبعهما الْمُفَسِّرُونَ.