وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُنْتَقَلُ مِنَ الْجَزَاءِ إِلَى كَفَّارَةِ الطَّعَامِ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْجَزَاءِ، وَلَا يُنْتَقَلُ عَنِ الْكَفَّارَةِ إِلَى الصَّوْمِ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْإِطْعَامِ، فَهِيَ عِنْدَهُمْ عَلَى التَّرْتِيبِ. وَنُسِبَ لِابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ كَفَّارَةٌ- بِالرَّفْعِ بِدُونِ تَنْوِينٍ مُضَافًا إِلَى طَعَامٍ- كَمَا قَرَأَ فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ. وَالْوَجْهُ فِيهِ إِمَّا أَنْ نَجْعَلَهُ كَوَجْهِ الرَّفْعِ وَالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ فَنَجْعَلُ كَفَّارَةٌ اسْمَ مَصْدَرٍ عِوَضًا عَنِ الْفِعْلِ وَأُضِيفَ إِلَى فَاعِلِهِ، أَيْ يُكَفِّرُهُ طَعَامُ مَسَاكِينَ وَإِمَّا أَنْ نَجْعَلَهُ مِنَ الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ، أَيْ كَفَّارَةٌ مِنْ طَعَامٍ، كَمَا يُقَالُ: ثَوْبُ خَزٍّ، فَتَكُونُ الْكَفَّارَةُ بِمَعْنَى الْمُكَفَّرِ بِهِ لِتَصِحَّ إِضَافَةُ الْبَيَانِ، فَالْكَفَّارَةُ بَيَّنَهَا الطَّعَامُ، أَيْ لَا كَفَّارَةَ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَقَعُ بِأَنْوَاعٍ. وَجَزَمَ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي «الْكَشَّافِ» ، وَفِيهِ تَكَلُّفٌ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ- بِتَنْوِينِ كَفَّارَةٌ وَرَفْعِ طَعامُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ كَفَّارَةٌ.
وَقَوْلُهُ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً عُطِفَ عَلَى كَفَّارَةٌ وَالْإِشَارَةُ إِلَى الطَّعَامِ. وَالْعَدْلُ- بِفَتْحِ الْعَيْنِ- مَا عَادَلَ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. وَأَصْلُ مَعْنَى الْعَدْلِ الْمُسَاوَاةُ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْبَصِيرَةِ كَمَا هُنَا. وَأَمَّا الْعِدْلُ- بِكَسْرِ الْعَيْنِ- فَفِي الْمَحْسُوسَاتِ كَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ، وَقِيلَ: هُمَا مُتَرَادِفَانِ. وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى طَعامُ مَساكِينَ. وَانْتَصَبَ صِياماً عَلَى التَّمْيِيزِ لِأَنَّ فِي لَفْظِ الْعَدْلِ مَعْنَى التَّقْدِيرِ.
وَأَجْمَلَتِ الْآيَةُ الصِّيَامَ كَمَا أَجْمَلَتِ الطَّعَامَ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَى حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا، وَاخْتَلَفُوا فِي أَقْصَى مَا يُصَامُ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ: لَا يُنْقِصُ عَنْ أَعْدَادِ الْأَمْدَادِ أَيَّامًا وَلَوْ تَجَاوَزَ شَهْرَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَزِيدُ عَلَى شَهْرَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْلَى الْكَفَّارَاتِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَى عَشَرَةٍ.
وَقَوْلُهُ لِيَذُوقَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَجَزاءٌ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ جُعِلَ ذَلِكَ جَزَاءً عَنْ قَتْلِهِ الصَّيْدَ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ.
وَالذَّوْقُ مُسْتَعَارٌ لِلْإِحْسَاسِ بِالْكَدَرِ. شَبَّهَ ذَلِكَ الْإِحْسَاسَ بِذَوْقِ الطَّعْمِ الْكَرِيهِ كَأَنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute