للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَاعَوْا فِيهِ سُرْعَةَ اتِّصَالِ أَلَمِهِ بِالْإِدْرَاكِ، وَلِذَلِكَ لَمْ نَجْعَلْهُ مَجَازًا مُرْسَلًا بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ إِذْ لَا دَاعِيَ لِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْعَلَاقَةِ، فَإِنَّ الْكَدَرَ أَظْهَرُ مِنْ مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مُعْتَنَى بِهِ فِي كَلَامِهِمْ، لِذَلِكَ اشْتُهِرَ إِطْلَاقُ الذَّوْقِ عَلَى إِدْرَاكِ الْآلَامِ وَاللَّذَّاتِ. فَفِي الْقُرْآنِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدُّخان: ٤٩] ، لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ [الدُّخان: ٥٦] . وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَاطِبًا جُثَّةَ حَمْزَةَ «ذُقْ عُقَقَ» . وَشُهْرَةُ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ قَارَبَتِ الْحَقِيقَةَ، فَحَسُنَ أَنْ تُبْنَى عَلَيْهَا اسْتِعَارَةٌ أُخْرَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النَّحْل:

١١٢] .

وَالْوَبَالُ السُّوءُ وَمَا يُكْرَهُ إِذَا اشْتَدَّ، وَالْوَبِيلُ الْقَوِيُّ فِي السُّوءِ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا [المزمل: ١٦] . وَطَعَامٌ وَبِيلٌ: سَيِّءُ الْهَضْمِ، وَكَلَأٌ وبيل ومستوبل، تستولبه الْإِبِلُ، أَيْ تَسْتَوْخِمُهُ. قَالَ زُهَيْرٌ:

إِلَى كَلَأٍ مُسْتَوْبِلٍ مُتَوَخِّمٍ وَالْأَمْرُ: الشَّأْنُ وَالْفِعْلُ، أَيْ أَمْرُ مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا. وَالْمَعْنَى لِيَجِدْ سُوءَ عَاقِبَةِ فِعْلِهِ بِمَا كَلَّفَهُ مِنْ خَسَارَةٍ أَوْ مِنْ تَعَبٍ.

وَأَعْقَبَ اللَّهُ التَّهْدِيدَ بِمَا عَوَّدَ بِهِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الرَّأْفَةِ فَقَالَ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ، أَيْ عَفَا عَمَّا قَتَلْتُمْ مِنَ الصَّيْدِ قَبْلَ هَذَا الْبَيَانِ وَمَنْ عَادَ إِلَى قَتْلِ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَاللَّهُ يَنْتَقِمُ مِنْهُ.

وَالِانْتِقَامُ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْوَبَالِ مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ الْخَسَارَةُ أَوِ التَّعَبُ، فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ كُلَّمَا عَادَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ أَوِ الْكَفَّارَةُ أَوِ الصَّوْمُ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنْ عَادَ حُقَّ عَلَيْهِ انْتِقَامُ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ جَزَاءٌ. وَهَذَا شُذُوذٌ.

وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ مَعَ أَنَّ شَأْنَ جَوَابِ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ فِعْلًا أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْهِ الْفَاءُ الرَّابِطَةُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنِ الرَّبْطِ بِمُجَرَّدِ الِاتِّصَالِ الْفِعْلِيِّ، فَدُخُولُ