للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَوَجْهُ ذِكْرِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَنَّ اللَّهَ شَهِيدٌ لَهُ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى السِّيَاقِ.

فَمَعْنَى الْبَيْنِ أَنَّ اللَّهَ شَهِيدٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصِّدْقِ لِرَدِّ إِنْكَارِهِمْ رِسَالَتَهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ الشَّاهِدِ فِي الْخُصُومَاتِ.

وَقَوْلُهُ: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْأَهَمُّ فِيمَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ مِنْ إِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ. وَيَنْطَوِي فِي ذَلِكَ جَمِيعُ مَا أَبْلَغَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَقَامَهُ مِنَ الدَّلَائِلِ. فَعَطْفُ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ،

وَحُذِفَ فَاعِلُ الْوَحْيِ وَبُنِيَ فِعْلُهُ لِلْمَجْهُولِ لِلْعِلْمِ بِالْفَاعِلِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالْإِشَارَةُ بِ هذَا الْقُرْآنُ إِلَى مَا هُوَ فِي ذِهْنِ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ. وَعَطْفُ الْبَيَانِ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ بَيَّنَ الْمَقْصُودَ بِالْإِشَارَةِ.

وَاقْتَصَرَ عَلَى جَعْلِ عِلَّةِ نُزُولِ الْقُرْآنِ لِلنِّذَارَةِ دُونَ ذِكْرِ الْبِشَارَةِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ فِي حَالِ مُكَابَرَتِهِمُ الَّتِي هِيَ مَقَامُ الْكَلَامِ لَا يُنَاسِبُهُمْ إِلَّا الْإِنْذَارُ، فَغَايَةُ الْقُرْآنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِهِمْ هِيَ الْإِنْذَارُ، وَلِذَلِكَ قَالَ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ مُصَرِّحًا بِضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ. وَلَمْ يَقُلْ: لِأُنْذِرَ بِهِ، وَهُمُ الْمَقْصُودُ ابْتِدَاءً مِنْ هَذَا الْخِطَابِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْطُوفُ عَلَى ضَمِيرِهِمْ يُنْذِرُ وَيُبَشِّرُ. عَلَى أَنَّ لَامَ الْعِلَّةِ لَا تُؤْذِنُ بِانْحِصَارِ الْعِلَّةِ فِي مَدْخُولِهَا إِذْ قَدْ تَكُونُ لِلْفِعْلِ الْمُعَدَّى بِهَا عِلَلٌ كَثِيرَةٌ.

وَمَنْ بَلَغَ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ، أَيْ وَلِأُنْذِرَ بِهِ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ وَسَمِعَهُ وَلَوْ لَمْ أُشَافِهْهُ بِالدَّعْوَةِ، فَحَذَفَ ضَمِيرَ النَّصْبِ الرَّابِطَ لِلصِّلَةِ لِأَنَّ حَذْفَهُ كَثِيرٌ حَسَنٌ، كَمَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ. وَعُمُومُ مَنْ وَصِلَتِهَا يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ يَبْلُغُهُ الْقُرْآنُ فِي جَمِيع العصور.

أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.

جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْقَوْلِ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ.