للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ هَذَا كِتَابَتُهَا بِالْوَاوِ فِي الْمَصَاحِفِ إِذْ لَوْلَا قَصْدُ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا اشْتُقَّتْ مِنْهُ مَا كَانَ وَجْهٌ لِكِتَابَتِهَا بِالْوَاوِ وَهُمْ كَتَبُوا الزَّكَاةَ وَالرِّبَا وَالْحَيَاةَ بِالْوَاوِ إِشَارَةً إِلَى الْأَصْلِ. وَأَمَّا قَوْلُ «الْكَشَّافِ» : وَكِتَابَتُهَا بِالْوَاوِ عَلَى لَفْظِ الْمُفَخَّمِ أَيْ لُغَةِ تَفْخِيمِ اللَّامِ يَرُدُّهُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُصْنَعْ فِي غَيْرِهَا مِنَ اللَّامَاتِ الْمُفَخَّمَةِ.

وَمَصْدَرُ صَلَّى قِيَاسُهُ التَّصْلِيَةُ وَهُوَ قَلِيلُ الْوُرُودِ فِي كَلَامِهِمْ. وَزَعَمَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ لَا يُقَالُ صَلَّى تَصْلِيَةً وَتَبِعَهُ الْفَيْرُوزَابَادِيُّ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَرَدَ بِقِلَّةٍ فِي نَقْلِ ثَعْلَبٍ فِي «أَمَالِيهِ» .

وَقَدْ نُقِلَتِ الصَّلَاةُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ إِلَى الْخُضُوعِ بِهَيْأَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَدُعَاءٍ مَخْصُوصٍ وَقِرَاءَةٍ وَعَدَدٍ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ أَصْلَهَا فِي اللُّغَةِ الْهَيْئَةُ فِي الدُّعَاءِ وَالْخُضُوعِ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَأَوْفَقُ بِقَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ بِنَفْيِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَسْتَعْمِلْ لَفْظًا إِلَّا فِي حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ بِضَمِيمَةِ شُرُوطٍ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِهَا. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ مَوْضُوعَةٌ بِوَضْعٍ جَدِيدٍ وَلَيْسَتْ حَقَائِقَ لُغَوِيَّةً وَلَا مَجَازَاتٍ. وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ اشْتُهِرَتْ فِي مَعَانٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ هَاتِهِ الْأَقْوَالَ تَرْجِعُ إِلَى أَقْسَامٍ مَوْجُودَةٍ فِي الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.

صِلَةٌ ثَالِثَةٌ فِي وَصْفِ الْمُتَّقِينَ مِمَّا يُحَقِّقُ مَعْنَى التَّقْوَى وَصِدْقِ الْإِيمَانِ مِنْ بَذْلِ عَزِيزٍ عَلَى النَّفْسِ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَمَّا كَانَ مَقَرُّهُ الْقَلْبَ وَمُتَرْجِمُهُ اللِّسَانَ كَانَ مُحْتَاجًا

إِلَى دَلَائِلَ صِدْقِ صَاحِبِهِ وَهِيَ عَظَائِمُ الْأَعْمَالِ، مِنْ ذَلِكَ الْتِزَامُ آثَارِهِ فِي الْغَيْبَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ:

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَمِنْ ذَلِكَ مُلَازَمَةُ فِعْلِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى تَذَكُّرِ الْمُؤْمِنِ مَنْ آمَنَ بِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ السَّخَاءُ بِبَذْلِ الْمَالِ لِلْفُقَرَاءِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ بِذَلِكَ.

وَالرِّزْقُ مَا يَنَالُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَوْجُودَاتِ هَذَا الْعَالَمِ الَّتِي يَسُدُّ بِهَا ضَرُورَاتِهِ وَحَاجَاتِهِ وَيَنَالُ بِهَا مُلَائِمَهُ، فَيُطْلِقُ عَلَى كُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ سَدُّ الْحَاجَةِ فِي الْحَيَاةِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَيَوَانِ وَالشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَالثِّيَابِ وَمَا يُقْتَنَى بِهِ ذَلِكَ مِنَ النَّقْدَيْنِ، قَالَ تَعَالَى:

وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النِّسَاء: ٨] أَيْ مِمَّا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ- وَقَالَ: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا [الرَّعْد: ٢٦] وَقَالَ فِي قِصَّةِ قَارُونَ: وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ- إِلَى قَوْلِهِ-