للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ [الْقَصَص: ٧٦- ٨٢] مُرَادًا بِالرِّزْقِ كُنُوزُ قَارُونَ وَقَالَ: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ [الشورى: ٢٧] وَأَشْهَرُ اسْتِعْمَالِهِ بِحَسَبِ مَا رَأَيْتُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَوَارِدِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ مَا يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ لِلْإِنْسَانِ، وَأَمَّا إِطْلَاقُهُ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَيَوَانُ مِنَ الْمَرْعَى وَالْمَاءِ فَهُوَ عَلَى الْمَجَازِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود: ٦] وَقَوْلِهِ: وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً [آل عمرَان: ٣٧] وَقَوْلِهِ: لَا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ [يُوسُف: ٣٧] .

وَالرِّزْقُ شَرْعًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَالرِّزْقِ لُغَةً إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ إِلَّا لِدَلِيلٍ، فَيَصْدُقُ اسْمُ الرِّزْقِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لِأَنَّ صِفَةَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إِلَيْهَا هُنَا فَبَيَانُ الْحَلَالِ مِنَ الْحَرَامِ لَهُ مَوَاقِعٌ أُخْرَى وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ التَّشْرِيعِ مِثْلَ الْخَمْرِ وَالتِّجَارَةِ فِيهَا قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، بَلِ الْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ.

وَخَالَفَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي ذَلِكَ فِي جُمْلَةِ فُرُوعِ مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْمَفَاسِدِ وَالشُّرُورِ وَتَقْدِيرِهِمَا، وَمَسْأَلَةُ الرِّزْقِ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي جَرَتْ فِيهَا الْمُنَاظَرَةُ بَيْنَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ كَمَسْأَلَةِ الْآجَالِ، وَمَسْأَلَةِ السِّعْرِ، وَتَمَسُّكِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرِّزْقِ بِأَدِلَّةٍ لَا تُنْتِجُ الْمَطْلُوبَ.

وَالْإِنْفَاقُ إِعْطَاءُ الرِّزْقِ فِيمَا يَعُودُ بِالْمَنْفَعَةِ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْعِيَالِ وَمَنْ يُرْغَبُ فِي صِلَتِهِ أَوِ التَّقَرُّبِ لِلَّهِ بِالنَّفْعِ لَهُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ لِبَاسٍ. وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا بَثُّهُ فِي نَفْعِ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ وَتَسْدِيدِ نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ بِقَرِينَةِ الْمَدْحِ وَاقْتِرَانِهِ بِالْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ هُنَا خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ، وَمَا هِيَ إِلَّا الْإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ إِذْ لَا يُمْدَحُ أَحَدٌ بِإِنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إِذْ ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُو إِلَيْهِ الْجِبِلَّةُ فَلَا يَعْتَنِي الدِّينُ

بِالتَّحْرِيضِ عَلَيْهِ فَمِنَ الْإِنْفَاقِ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَهُوَ حَقٌّ عَلَى صَاحِبِ الرِّزْقِ، لِلْقَرَابَةِ وَلِلْمَحَاوِيجِ مِنَ الْأُمَّةِ وَنَوَائِبِ الْأُمَّةِ كَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ وَالزَّكَاةِ، وَبَعْضُهُ مُحَدَّدٌ وَبَعْضُهُ تَفْرِضُهُ الْمَصْلَحَةُ الشَّرْعِيَّةُ الضرورية أَو الحاجية وَذَلِكَ مُفَصَّلٌ فِي تَضَاعِيفِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَمِنَ الْإِنْفَاقِ تَطَوَّعٌ وَهُوَ مَا فِيهِ نَفْعُ مَنْ دَعَا الدِّينُ إِلَى نَفْعِهِ.

وَفِي إِسْنَادِهِ فِعْلَ (رُزِقْنَا) إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَجعل مَفْعُوله ضمير الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَا يَصِيرُ الرِّزْقُ بِسَبَبِهِ رِزْقًا لِصَاحِبِهِ هُوَ حَقٌّ خَاصٌّ لَهُ خَوَّلَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ بِحُكْمِ الشَّرِيعَةِ عَلَى حَسَبِ الْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِلِ الَّتِي يَتَقَرَّرُ بِهَا مِلْكُ النَّاسِ لِلْأَمْوَالِ وَالْأَرْزَاقِ، وَهُوَ الْوَسَائِلُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي اقْتَضَتِ اسْتِحْقَاقَ أَصْحَابِهَا وَاسْتِئْثَارَهُمْ بِهَا بِسَبَبِ الْجُهْدِ مِمَّا عَمِلَهُ الْمَرْءُ بِقُوَّةِ بَدَنِهِ الَّتِي لَا مِرْيَةَ فِي أَنَّهَا حَقُّهُ مِثْلَ انْتِزَاعِ