مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّعْرِيضِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي أَنَّهُمْ عَلَى اضْطِرَابٍ مِنْ أَمْرِ آلِهَتِهِمْ وَعَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ.
وَجُمْلَةُ وَكَذَّبْتُمْ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ بَيِّنَةٍ. وَهِيَ تُفِيدُ التَّعَجُّبَ مِنْهُمْ أَنْ كَذَّبُوا بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، أَيْ أَنَا عَلَى بَيِّنَةٍ وَأَنْتُمْ كَذَّبْتُمْ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَاتُ فَشَتَّانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: بِهِ يَعُودُ إِلَى الْبَيِّنَةِ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِهَا بِالْبَيَانِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا صَدَّقَهَا الْيَقِينُ أَوِ الْقُرْآنُ عَلَى وَجْهٍ جَعَلَ (مِنِ) ابْتِدَائِيَّةً، أَيْ وَكَذَّبْتُمْ بِالْيَقِينِ مُكَابَرَةً وَعِنَادًا، وَيَعُودُ إِلَى رَبِّي عَلَى وَجْهٍ جَعَلَ (مِنِ) اتِّصَالِيَّةً، أَيْ كُنْتُ أَنَا عَلَى يَقِينٍ فِي شَأْنِ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَعَ أَنَّ دَلَائِلَ تَوْحِيدِهِ بَيِّنَةٌ وَاضِحَةٌ. وَيَعُودُ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ لِشُهْرَةِ التَّدَاوُلِ بَيْنَهُمْ فِي شَأْنِهِ فَإِذَا أُطْلِقَ ضَمِيرُ الْغَائِبِ انْصَرَفَ إِلَيْهِ بِالْقَرِينَةِ.
وَالْبَاءُ الَّتِي عُدِّيَ بِهَا فِعْلُ كَذَّبْتُمْ هِيَ لِتَأْكِيدِ لُصُوقِ مَعْنَى الْفِعْلِ بِمَفْعُولِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] . فَلِذَلِكَ يَدُلُّ فِعْلُ التَّكْذِيبِ إِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ، أَيِ التَّكْذِيبِ الْقَوِيِّ. وَلَعَلَّ الِاسْتِعْمَالَ أَنَّهُمْ لَا يُعَدُّونَ فِعْلَ التَّكْذِيبِ بِالْبَاءِ إِلَّا إِذَا أُرِيدَ تَكْذِيبُ حُجَّةٍ أَوْ بُرْهَانٍ مِمَّا يُحْسَبُ سَبَبَ تَصْدِيقٍ، فَلَا يُقَالُ: كَذَّبْتُ بِفُلَانٍ، بَلْ يُقَالُ: كَذَّبْتُ فُلَانًا قَالَ تَعَالَى: لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ [الْفرْقَان: ٣٧] وَقَالَ: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ [الْقَمَر: ٢٣] .
وَالْمَعْنَى التَّعْرِيضِيُّ بِهِمْ فِي شَأْنِ اعْتِقَادِهِمْ فِي آلِهَتِهِمْ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
وَقَوْلُهُ: مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ حَالَهُمْ فِي الْإِصْرَارِ عَلَى التَّكْذِيبِ مِمَّا يَزِيدُهُمْ عِنَادًا عِنْدَ سَمَاعِ تَسْفِيهِ أَحْلَامِهِمْ وَتَنَقُّصِ عَقَائِدِهِمْ فَكَانُوا يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ قَوْلُكَ حَقًّا فَأَيْنَ الْوَعِيدُ الَّذِي تَوَعَّدْتَنَا. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَال: ٣٢] وَقَالُوا: أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً [الْإِسْرَاء: ٩٢] فَأُمِرَ بِأَنْ يُجِيبَ أَنْ يَقُولَ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute