للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِاسْتِعْجَالُ طَلَبُ التَّعْجِيلِ بِشَيْءٍ، فَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ تَعْجِيلُ شَيْءٍ. فَإِذَا أُرِيدَ ذِكْرُ الْأَمْرِ الْمُعَجَّلِ عُدِّيَ إِلَيْهِ بِالْبَاءِ. وَالْبَاءُ فِيهِ لِلتَّعَدِّيَةِ. وَالْمَفْعُولُ هُنَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مَا عِنْدِي. وَالتَّقْدِيرُ: تَسْتَعْجِلُونَنِي بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:

أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النَّحْل: ١] فَالْأَظْهَرُ أَنَّ ضَمِيرُ الْغَائِبِ عَائِدٌ لِاسْمِ الْجَلَالَةِ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ سُورَةِ النَّحْلِ.

وَمَعْنَى مَا عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَقْدِرَتِي، كَمَا يُقَالُ: مَا بِيَدِي كَذَا. فَالْعِنْدِيَّةُ مَجَازٌ عَنِ التَّصَرُّفِ بِالْعِلْمِ وَالْمَقْدِرَةِ. وَالْمَعْنَى: أَنِّي لَسْتُ الْعَلِيمَ الْقَدِيرَ، أَيْ لَسْتُ إِلَهًا وَلَكِنَّنِي عَبْدٌ مُرْسَلٌ أَقِفُ عِنْدَ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ.

وَحَقِيقَةُ (عِنْدَ) أَنَّهَا ظَرْفُ الْمَكَانِ الْقَرِيبِ. وَتُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي اسْتِقْرَارِ الشَّيْءِ لِشَيْءٍ وَمِلْكِهِ إِيَّاهُ، كَقَوْلِهِ: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ [الْأَنْعَام: ٥٩] . وَتُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الِاحْتِفَاظِ بِالشَّيْءِ، كَقَوْلِهِ: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف: ٨٥] وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ [إِبْرَاهِيم: ٤٦] وَلَا يَحْسُنُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ (١) .

وَالْمُرَادُ بِ مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ الْعَذَابُ الْمُتَوَعَّدُ بِهِ. عُبِّرَ بِطَرِيقِ الموصولية لما تنبىء بِهِ الصِّلَةُ


(١) أردْت بِهَذَا أنّ اسْتِعْمَال (عِنْد) مجَازًا فِي غير مَا ذكرنَا مَشْكُوك فِي صحّة اسْتِعْمَاله فِي كَلَام الْعَرَب، فَقَوْل أبي فراس:
بلَى أَنا مشتاق وَعِنْدِي لوعة ... لَيْسَ بجار على الِاسْتِعْمَال
وأمّا قَول المعرّي:
أعندي وَقد مارست كلّ خفيّة ... يصدّق واش أَو يخيّب آمل
فَهُوَ أقرب للاستعمال بِأَن يكون (عِنْد) حَقِيقَة فِي الْمَكَان، أَي الْمَكَان الْقَرِيب منّي يُرِيد مَجْلِسه، أَي لَا يَقع تَصْدِيق ذَلِك فِي مقَامي. وَأما قَول الشَّاعِر:
عِنْدِي اصطبار وأمّا أنّني جزع ... يَوْم النَّوَى فلبعد كَاد يبريني
فَلَا يعرف قَائِله، وَيظْهر أنّه مولّد وَهُوَ من شَوَاهِد الْمسَائِل النحوية.