للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِحُجَّةٍ وَلَكِنَّهُ مِمَّا يَرَوْنَهُ حُجَجًا بِأَنْ خَوَّفُوهُ غَضَبَ آلِهَتِهِمْ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ الْآيَةَ.

وَالتَّقْدِيرُ: وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ فَقَالُوا: كَيْتَ وَكَيْتَ.

وَجُمْلَةُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ جَوَابُ مُحَاجَّتِهِمْ، وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ، عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَاتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٠] ، فَإِنْ كَانَتِ الْمُحَاجَّةُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمُفَاعَلَةِ فَقَوْلُهُ أَتُحاجُّونِّي غَلْقٌ لِبَابِ الْمُجَادَلَةِ وَخَتْمٌ لَهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْمُحَاجَّةُ مُسْتَعْمَلَةً فِي الِاحْتِجَاجِ فَقَوْلُهُ: أَتُحاجُّونِّي جَوَابٌ لِمُحَاجَّتِهِمْ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [آل عمرَان: ٢٠] . وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ وَتَأْيِيسٌ مِنْ رُجُوعِهِ إِلَى معتقدهم.

وفِي للظرفية الْمَجَازِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِ تُحاجُّونِّي وَدُخُولُهَا عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، لِأَنَّ الْمُحَاجَّةَ لَا تَكُونُ فِي الذَّوَاتِ، فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ مَا يَصْلُحُ لَهُ الْمَقَامُ وَهُوَ صِفَاتُ اللَّهِ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ، أَيْ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ [هود: ٧٤] أَيْ فِي اسْتِئْصَالِهِمْ.

وَجُمْلَة وَقَدْ هَدانِ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ لَا جَدْوَى لِمُحَاجَّتِكُمْ إِيَّايَ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي اللَّهُ إِلَى الْحَقِّ، وَشَأْنُ الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ لِلْإِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ اتِّصَافُ صَاحِبِهَا بِهَا مَعْرُوفًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ نَزَّلَهُمْ فِي خِطَابِهِ مَنْزِلَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ هَدَاهُ كِنَايَةً عَلَى ظُهُورِ دَلَائِلِ الْهِدَايَةِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَتُحَاجُّونِي- بِنُونٍ وَاحِدَةٍ خَفِيفَةٍ- وَأَصْلُهُ أَتُحَاجُّونَنِي- بِنُونَيْنِ- فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا لِلتَّخْفِيفِ، وَالْمَحْذُوفَةُ هِيَ الثَّانِيَةُ الَّتِي هِيَ نُونُ الْوِقَايَةِ عَلَى مُخْتَارِ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ. قَالَ: لِأَنَّ الْأُولَى نُونُ الْإِعْرَابِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ مُوَطِّئَةٌ لِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ حَذْفُهَا تَخْفِيفًا، كَمَا قَالُوا: لَيْتِي فِي لَيْتَنِي. وَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْمَحْذُوفَةَ هِيَ الْأُولَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ جُلِبَتْ لِتَحْمِلَ الْكَسْرَةَ الْمُنَاسِبَةَ لِلْيَاءِ وَنُونُ الرَّفْعِ لَا تَكُونُ مَكْسُورَةً، وَأَيًّا مَا كَانَ فَهَذَا الْحَذْفُ مُسْتَعْمَلٌ لِقَصْدِ التَّخْفِيفِ.