وَانْتَصَبَ نُوحاً عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ عَلَى هَدَيْنا لِلِاهْتِمَامِ، ومِنْ قَبْلُ حَالٌ مِنْ نُوحاً. وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذَا الْحَالِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْهِدَايَةَ مُتَأَصِّلَةٌ فِي أُصُولِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَبُنِيَ قَبْلُ عَلَى الضَّمِّ، عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي (قَبْلُ) وَأَخَوَاتِ غَيْرٍ مِنْ حَذْفِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ قَبْلُ وَيُنْوَى مَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ. وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَةُ نُوحٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٣٣] .
وَقَوْلُهُ: مِنْ ذُرِّيَّتِهِ حَال من دَاوُود، وداوُدَ مَفْعُولُ (هَدَيْنَا) مَحْذُوفًا. وَفَائِدَةُ هَذَا الْحَالِ التَّنْوِيهُ بِهَؤُلَاءِ الْمَعْدُودِينَ بِشَرَفِ أَصْلِهِمْ وَبِأَصْلِ فَضْلِهِمْ، وَالتَّنْوِيهُ بِإِبْرَاهِيمَ أَوْ بِنُوحٍ بِفَضَائِلِ ذُرِّيَّتِهِ. وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ عَائِدٌ إِلَى نُوحٍ لَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّ نُوحًا أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، وَلِأَنَّ لُوطًا مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، وَلَيْسَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَسْبَمَا جَاءَ فِي كِتَابِ التَّوْرَاةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لُوطٌ عُومِلَ مُعَامَلَةَ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ لِشِدَّةِ اتِّصَالِهِ بِهِ. كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ ذِكْرُ اسْمِهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ أَسْمَاءِ مَنْ هُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَدْحِ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ لَا عَلَى الْعَطْفِ.
وَدَاوُدُ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ تَرْجَمَتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٥١] . وَنُكْمِلُهَا هُنَا بِأَنَّهُ دَاوُدُ بْنُ يِسِّي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وُلِدَ بِقَرْيَةِ بَيْتِ لَحْمٍ سَنَةَ ١٠٨٥ قَبْلَ الْمَسِيحِ، وَتُوُفِّيَ فِي أُورَشْلِيمَ سَنَةَ ١٠١٥. وَكَانَ فِي شَبَابِهِ رَاعِيًا لِغَنَمِ
أَبِيهِ. وَله معرفَة النغم وَالْعَزْفِ وَالرَّمْيِ بِالْمِقْلَاعِ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى (شَمْوِيلَ) نَبِيءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُبَارِكَ دَاوُدَ بْنَ يِسِّي، وَيَمْسَحَهُ بِالزَّيْتِ الْمُقَدَّسِ لِيَكُونَ مَلِكًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، عَلَى حَسَبِ تَقَالِيدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنْبَاءً بِأَنَّهُ سَيَصِيرُ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مَوْتِ (شَاوُلَ) الَّذِي غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا مَسَحَهُ (شَمْوِيلُ) فِي قَرْيَةِ بَيْتِ لَحْمٍ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute