وَأَحَقُّ مَظِنَّةً بِذِكْرِهَا هُوَ هَذِهِ الْآيَةُ وَمَا هُوَ بِمَعْنَى بَعْضِهَا. فَأَمَّا ثُبُوتُ نُبُوءَةِ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِيهَا فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ أَنْ عَدَّ أَسْمَاءَهُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوءَةَ. فَثُبُوتُ النُّبُوءَةِ لَهُمْ أَمْرٌ مُتَقَرِّرٌ لأنّ اسْم إِشَارَة أُولئِكَ قَرِيبٌ مِنَ النَّصِّ فِي عَوْدِهِ إِلَى جَمِيعِ الْمُسَمَّيْنَ قَبْلَهُ مَعَ مَا يُعَضِّدُهُ وَيُكَمِّلُهُ مِنَ النَّصِّ بِنُبُوءَةِ بَعْضِهِمْ فِي آيَاتٍ تُمَاثِلُ هَذِهِ الْآيَةَ، مِثْلِ آيَةِ سُورَةِ النِّسَاءِ [١٦٣] إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ الْآيَاتِ، وَمِثْلِ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ [٤١] وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ الْآيَاتِ.
وَلِلنُّبُوءَةِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَوْصُوفِهَا وَبِمُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ لِمَنْ يَتَّصِفُ بِهَا. مِنْهَا مَعْنَى النَّبِيءِ وَالرَّسُولِ، وَمَعْنَى الْمُعْجِزَةِ الَّتِي هِيَ دَلِيلُ تَحَقُّقِ النُّبُوءَةِ أَوِ الرِّسَالَةِ لِمَنْ أَتَى بِهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ شَرْعٍ وَآدَابٍ، وَمَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْ ذَلِكَ مَبْسُوطَةٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهَا. إِنَّمَا الَّذِي يَهُمُّنَا مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ هُوَ مَا أَوْمَأَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِهَا فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ [الْأَنْعَام: ٨٩] . فَمَنْ عَلِمَ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَكَانَ عَالِمًا بِمَعْنَاهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِنُبُوءَةِ مَنْ جَرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِيهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ الْإِيمَانَ بِأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ رُسُلًا وَنَبَّأَ أَنْبِيَاءَ لِإِرْشَادِ النَّاسِ وَاجِبٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، أَيْ إِيمَانًا بِإِرْسَالِ أَفْرَادٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، أَوْ بِنُبُوءَةِ أَفْرَادٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ دُونَ تَعْيِينِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِاسْمِهِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ إِلَّا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي «الرِّسَالَةِ» «الْبَاعِثُ (صِفَةُ لِلَّهِ تَعَالَى) الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ» . فَإِرْسَالُ الرُّسُلِ جَائِزٌ فِي حَقِّ اللَّهِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى الْإِجْمَالِ دُونَ تَعْيِينِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ. وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ» الْمَقَاصِدِ» أَنَّ إِرْسَالَ الرُّسُلِ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ لُطْفٌ مِنَ اللَّهِ بِخَلْقِهِ وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَجَمْعٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ (أَيْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ) مِمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ بِوُجُوبِ إِرْسَالِ الرُّسُلِ عَلَيْهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute