وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا وُجُوبَ الْإِيمَانِ بِنَبِيءٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ: «ثُمَّ خَتَمَ- أَيِ اللَّهُ- الرِّسَالَةَ وَالنِّذَارَةَ وَالنُّبُوءَةَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيئِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ» ، لِأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي
رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ»
إِلَخْ. فَلَمْ يُعَيِّنْ رُسُلًا مَخْصُوصِينَ.
وَقَالَ فِي جَوَابِ سُؤَالِهِ عَنِ الْإِسْلَامِ «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» .
فَمَنْ عَلِمَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَفَهِمَ مَعْنَاهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاعْتِقَادُ بِنُبُوءَةِ الْمَذْكُورِينَ فِيهَا. وَلَعَلَّ كثيرا لَا يقرأونها وَكَثِيرًا ممّن يقرأونها لَا يَفْهَمُونَ مَدْلُولَاتِهَا حَقَّ الْفَهْمِ فَلَا يُطَالَبُونَ بِتَطَلُّبِ فَهْمِهَا وَاعْتِقَادِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَلَكِنَّهُ مِنَ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي فَصْلٍ (سَابِعٍ) مِنْ فُصُولِ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنَ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ «الشِّفَاءِ» «وَهَذَا كُلُّهُ (أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ إِلْزَامِ الْكُفْرِ أَوِ الْجُرْمِ الْمُوجِبِ لِلْعُقُوبَةِ لِمَنْ جَاءَ فِي حَقِّهِمْ بِمَا يُنَافِي مَا يَجِبُ لَهُمْ) فِيمَنْ تُكُلِّمَ فِيهِمْ (أَيِ الْأَنْبِيَاءِ أَوِ الْمَلَائِكَةِ) بِمَا قُلْنَاهُ عَلَى جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيئِينَ (أَيْ عَلَى مَجْمُوعِهِمْ لَا عَلَى جَمِيعِهِمْ- قَالَهُ الْخَفَاجِيُّ- يُرِيدُ بِالْجَمِيعِ كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ) مِمَّنْ حَقَّقْنَا كَوْنَهُ مِنْهُمْ ممّن نصّ الله عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ حَقَّقْنَا عِلْمَهُ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ وَالْخَبَرِ الْمُشْتَهِرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (الْوَاوُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ بِمَعْنَى أَوْ) . فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَثْبُتِ الْإِخْبَارُ بِتَعْيِينِهِ وَلَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَالْخَضِرِ، وَلُقْمَانَ، وَذِي الْقَرْنَيْنِ، وَمَرْيَمَ، وَآسِيَةَ (امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ) وَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ نَبِيءُ أَهْلِ الرَّسِّ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِي سَابِّهِمْ وَالْكَافِرِ بِهِمْ كَالْحُكْمِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ» اهـ.
فَإِذَا عَلِمْتَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي أَبْيَاتٍ ثَلَاثَةٍ نَظَمَهَا الْبَعْضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute