(١١٥)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً [الْأَنْعَام: ١١٤] لِأَنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ مَقُولُ قَوْلٍ مُقَدَّرٍ، إِذِ التَّقْدِيرُ: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا بِاعْتِبَارِ مَا فِي تِلْكَ الْجُمْلَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا [الْأَنْعَام: ١١٤] فَلَمَّا وُصِفَ الْكِتَابُ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ، وَوُصِفَ بِوُضُوحِ الدَّلَالَةِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا [الْأَنْعَام: ١١٤] ثُمَّ بِشَهَادَةِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ [الْأَنْعَام: ١١٤] ، أَعْلَمَ رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ تَامُّ الدَّلَالَةِ، نَاهِضُ الْحُجَّةِ، عَلَى كُلِّ فَرِيقٍ: مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، صَادِقٌ وَعْدُهُ وَوَعِيدُهُ، عَادِلٌ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ: وجَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيءٍ عَدُوًّا وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.
وَالْمُرَادُ بِالتَّمَامِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ: إِمَّا بِمَعْنَى بُلُوغِ الشَّيْءِ إِلَى أَحْسَنِ مَا يَبْلُغُهُ مِمَّا يُرَادُ مِنْهُ، فَإِنَّ التَّمَامَ حَقِيقَتُهُ كَوْنُ الشَّيْءِ وَافِرًا أَجْزَاءَهُ، وَالنُّقْصَانُ كَوْنُهُ فَاقِدًا بَعْضَ أَجْزَائِهِ، فَيُسْتَعَارُ لِوَفْرَةِ الصِّفَاتِ الَّتِي تُرَادُ مِنْ نَوْعِهِ وَإِمَّا بِمَعْنَى التَّحَقُّقِ فَقَدْ يُطْلَقُ التَّمَامُ عَلَى حُصُولِ الْمُنْتَظَرِ وَتَحَقُّقِهِ، يُقَالُ: تَمَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ فُلَانٌ، وَيُقَالُ: أَتَمَّ وَعْدَهُ، أَيْ حَقَّقَهُ، وَمِنْهُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [الْبَقَرَة: ١٢٤] أَيْ عَمِلَ بِهِنَّ دُونَ تَقْصِيرٍ وَلَا تَرَخُّصٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا [الْأَعْرَاف: ١٣٧] أَيْ ظَهَرَ وَعْدُهُ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ [الْقَصَص: ٥] الْآيَةَ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ [الصَّفّ: ٨] أَيْ مُحَقِّقٌ دِينَهُ وَمُثَبِّتُهُ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِتْمَامَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِطْفَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْإِزَالَةِ مَجَازًا أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ: كَلِمَاتُ رَبِّكَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِصِيغَةِ الْجَمْعِ- وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَيَعْقُوبُ، وَخَلَفٌ: كَلِمَةُ- بِالْإِفْرَادِ- فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ أَوِ الْكَلِمَةِ الْقُرْآنُ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute