وَنُقِلَ عَنْ قَتَادَةَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، الْمُنَاسِبُ لِجَعْلِ الْجُمْلَةِ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ [الْأَنْعَام: ١١٤] . فَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْإِفْرَادِ فَإِطْلَاقُ الْكَلِمَةِ عَلَى الْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَهُوَ مِنْ كَلَامِهِ وَقَوْلِهِ. وَالْكَلِمَةُ وَالْكَلَامُ يَتَرَادَفَانِ، وَيَقُولُ الْعَرَبُ: كَلِمَةُ زُهَيْرٍ، يَعَنُونَ قَصِيدَتَهُ، وَقَدْ أُطْلِقَ فِي الْقُرْآنِ (الْكَلِمَاتُ) عَلَى الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيءِ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ [الْأَعْرَاف: ١٥٨] أَيْ كُتُبِهِ. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْكَلِمَاتِ بِالْجَمْعِ فَإِطْلَاقُهَا عَلَى الْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْجُمَلِ وَالْآيَاتِ. أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ أَغْرَاضِهِ مِنْ أَمْرٍ، وَنَهْيٍ، وَتَبْشِيرٍ، وَإِنْذَارٍ، وَمَوَاعِظَ، وَإِخْبَارٍ، وَاحْتِجَاجٍ، وَإِرْشَادٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمَعْنَى تَمَامِهَا أَنَّ كُلَّ غَرَضٍ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ جَاءَ وَافِيًا بِمَا يَتَطَلَّبُهُ الْقَاصِدُ مِنْهُ. وَاسْتَبْعَدَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ كَلِمَاتِ رَبِّكَ- بِالْجَمْعِ أَوِ الْإِفْرَادِ- الْقُرْآنَ، وَاسْتَظْهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا:
قَوْلُ اللَّهِ، أَيْ نَفَذَ قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا أُثِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَلِمَاتُ اللَّهِ وَعْدُهُ. وَقِيلَ: كَلِمَاتُ اللَّهِ: أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ، وَوَعْدُهُ، وَوَعِيدُهُ، وَفُسِّرَ بِهِ فِي «الْكَشَّافِ» ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَطِيَّةَ، لَكِنَّ السِّيَاقَ يَشْهَدُ بِأَنَّ تَفْسِيرَ الْكَلِمَاتِ بِالْقُرْآنِ أَظْهَرُ.
وَانْتَصَبَ صِدْقاً وَعَدْلًا عَلَى الْحَالِ، عِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ صَادِقَةً وَعَادِلَةً، فَهُوَ حَالٌ مِنْ كَلِمَاتُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَوْنِ التَّمَامِ بِمَعْنَى التَّحَقُّقِ، وَجَعَلَهُمَا الطَّبَرِيُّ مَنْصُوبَيْنِ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَيْ تَمْيِيزِ النِّسْبَةِ، أَيْ تَمَّتْ مِنْ جِهَةِ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: تَمَّ صِدْقُهَا وَعَدْلُهَا، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَوْنِ التَّمَامِ بِمَعْنَى بُلُوغِ الشَّيْءِ أَحْسَنَ مَا يُطْلَبُ مِنْ نَوْعِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذَا غَيْرُ صَوَابٍ. وَقُلْتُ: لَا وَجْهَ لِعَدَمِ تَصْوِيبِهِ.
وَالصِّدْقُ: الْمُطَابَقَةُ لِلْوَاقِعِ فِي الْإِخْبَارِ: وَتَحْقِيقُ الْخَبَرِ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالنُّفُوذِ
فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَيَشْمَلُ الصِّدْقُ كُلَّ مَا فِي كَلِمَاتِ اللَّهِ مِنْ نَوْعِ الْإِخْبَار عَن شؤون الله وشؤون الْخَلَائِقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute