وَيُطْلَقُ الصِّدْقُ مَجَازًا عَلَى كَوْنِ الشَّيْءِ كَامِلًا فِي خَصَائِصِ نَوْعِهِ.
وَالْعَدْلُ: إِعْطَاءُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَا يَسْتَحِقُّ، وَدَفْعُ الِاعْتِدَاءِ وَالظُّلْمِ عَلَى الْمَظْلُومِ، وَتَدْبِيرُ أُمُورِ النَّاسِ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٥٨] . فَيَشْمَلُ الْعَدْلُ كُلَّ مَا فِي كَلِمَاتِ اللَّهِ: من تَدْبِير شؤون الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
فَعَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ لِلْكَلِمَاتِ أَوِ الْكَلِمَةِ، يَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْقُرْآنَ بَلَغَ أَقْصَى مَا تَبْلُغُهُ الْكُتُبُ: فِي وُضُوحِ الدَّلَالَةِ، وَبَلَاغَةِ الْعِبَارَةِ، وَأَنَّهُ الصَّادِقُ فِي أَخْبَارِهِ، الْعَادِلُ فِي أَحْكَامِهِ، لَا يُعْثَرُ فِي أَخْبَارِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْوَاقِعَ، وَلَا فِي أَحْكَامِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْحَقَّ فَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ التَّحَدِّي وَالِاحْتِجَاجِ عَلَى أَحَقِّيَّةِ الْقُرْآنِ. وَعَلَى التَّفْسِيرَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، يَكُونُ الْمَعْنَى: نَفَذَ مَا قَالَهُ اللَّهُ، وَمَا وَعَدَ وَأَوْعَدَ، وَمَا أَمَرَ وَنَهَى، صَادِقًا ذَلِكَ كُلُّهُ، أَيْ غَيْرُ مُتَخَلِّفٍ، وَعَادِلًا، أَيْ غَيْرُ جَائِرٍ. وَهَذَا تَهْدِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنْ سَيَحِقُّ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدُ، الَّذِي تَوَعَّدَهُمْ بِهِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وتمت كلمت رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا [الْأَعْرَاف: ١٣٧] أَيْ تَمَّ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنِ امْتِلَاكِ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا الَّتِي بَارَكَ فِيهَا، وَقَوْلُهُ: وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَات رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ [غَافِر: ٦] أَيْ حَقَّتْ كَلِمَاتُ وَعِيدِهِ.
وَمَعْنَى: لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ نَفْيُ جِنْسِ مَنْ يُبَدِّلُ كَلِمَاتِ اللَّهِ، أَيْ مَنْ يُبْطِلُ مَا أَرَادَهُ فِي كَلِمَاتِهِ.
وَالتَّبْدِيلُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦١] ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ بَيَانُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ، وَأَنَّ أَصْلَ مَادَّتِهِ هُوَ التَّبْدِيلُ.
وَالتَّبْدِيلُ حَقِيقَتُهُ جَعْلُ شَيْءٍ مَكَانَ شَيْءٍ آخَرَ، فَيَكُونُ فِي الذَّوَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [إِبْرَاهِيم: ٤٨] وَقَالَ النَّابِغَةُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute