وَالْحجر: اسْمٌ لِلْمُحْجَرِ الْمَمْنُوعِ، مِثْلُ ذَبْحٍ لِلْمَذْبُوحِ، فَمَنْعُ الْأَنْعَامِ مَنْعُ أَكْلِ لُحُومِهَا، وَمَنْعُ الْحَرْثِ مَنْعُ أَكْلِ الْحَبِّ وَالتَّمْرِ وَالثِّمَارِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: لَا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ.
وَقَوْلُهُ: بِزَعْمِهِمْ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ لَا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ وَبَيْنَ: وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها. وَالْبَاءُ فِي: بِزَعْمِهِمْ بِمَعْنَى (عَنْ) ، أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ يَقُولُونَ ذَلِكَ بِاعْتِقَادِهِمُ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا: لَا يَطْعَمُها لَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُمْ مَنَعُوا النَّاسَ أَكْلَهَا إِلَّا مَنْ شَاءُوهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَلَيْسَ مِنْ زَعْمِهِمْ. وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِالنَّفْيِ نَفْيَ الْإِبَاحَةِ، أَيْ لَا يَحِلُّ أَنْ
يَطْعَمَهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ، فَالْمَعْنَى: اعْتَقَدُوهَا حَرَامًا لِغَيْرِ مَنْ عَيَّنُوهُ، حَتَّى أَنْفُسَهُمْ، وَمَا هِيَ بِحَرَامٍ، فَهَذَا مَوْقِعُ قَوْلِهِ: بِزَعْمِهِمْ. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى الْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: بِزَعْمِهِمْ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ [الْأَنْعَام: ١٣٦] .
وَالصِّنْفُ الثَّانِي: أَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا، أَيْ حُرِّمَ رُكُوبُهَا، مِنْهَا الْحَامِي: لَا يَرْكَبُهُ أَحَدٌ، وَلَهُ ضَابِطٌ مُتَّبَعٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَمِنْهَا أَنْعَامٌ يُحَرِّمُونَ ظُهُورَهَا، بِالنَّذْرِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: إِذَا فَعَلَتِ النَّاقَةُ كَذَا مِنْ نَسْلٍ أَوْ مُوَاصَلَةٍ بَيْنَ عِدَّةٍ مِنْ إِنَاثٍ، وَإِذَا فَعَلَ الْفَحْلُ كَذَا وَكَذَا، حَرُمَ ظَهْرُهُ. وَهَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو نُوَاسٍ فِي قَوْلِهِ مَادِحًا الْأَمِينَ:
وَإِذَا الْمَطِيُّ بِنَا بلّغن مُحَمَّدًا ... فظهور هن عَلَى الرِّجَالِ حَرَامٌ
فَقَوْلُهُ: وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها مَعْطُوفٌ عَلَى: أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ فَهُوَ كَخَبَرٍ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَعُلِمَ أَنَّهُ عَطْفُ صِنْفٍ لِوُرُودِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَوْصَافِ الَّتِي أُجْرِيَتْ عَلَى خَبَرِ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عَقِبَهُ. وَالتَّقْدِيرُ: وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ وَهَذِهِ أَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute