للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبُنِيَ فِعْلُ: حُرِّمَتْ لِلْمَجْهُولِ: لِظُهُورِ الْفَاعِلِ، أَيْ حَرَّمَ اللَّهُ ظُهُورَهَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: افْتِراءً عَلَيْهِ.

وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: أَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا، أَيْ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ نَحْرِهَا أَوْ ذَبْحِهَا، يَزْعُمُونَ أَنَّ مَا أُهْدِيَ لِلْجِنِّ أَوْ لِلْأَصْنَامِ يُذْكَرُ عَلَيْهِ اسْمُ مَا قُرِّبَ لَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِذَلِكَ لِتَكُونَ خَالِصَةَ الْقُرْبَانِ لِمَا عُيِّنَتْ لَهُ، فَلِأَجْلِ هَذَا الزَّعْمِ قَالَ تَعَالَى: افْتِراءً عَلَيْهِ إِذْ لَا يُعْقَلُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى اللَّهِ تَحْرِيمُ ذِكْرِ اسْمِهِ عَلَى مَا يُقَرَّبُ لِغَيْرِهِ لَوْلَا أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْبَانِ الَّذِي يَرْضَى اللَّهُ تَعَالَى، لِأَنَّهُ لِشُرَكَائِهِ، كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ: «لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» .

وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مِنْهُمْ أَبُو وَائِلٍ (١) ، الْأَنْعَامُ الَّتِي لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُمْ سُنَّةً فِي بَعْضِ الْأَنْعَامِ أَنْ لَا يُحَجَّ عَلَيْهَا، فَكَانَتْ تُرْكَبُ فِي كُلِّ وَجْهٍ إِلَّا الْحَجَّ، وَأَنَّهَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَأَنْعامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَخْلُو مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ حِينَ الْكَوْنِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ تَلْبِيَةٍ وَتَكْبِيرٍ، فَيَكُونُ: لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا

كِنَايَةً عَنْ مَنْعِ الْحَجِّ عَلَيْهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْحَامِي وَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا نَفْعَهَا لِلْأَصْنَامِ لَمْ يُجِيزُوا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِ خِدْمَةِ الْأَصْنَامِ.

وَقَوْلُهُ: وَأَنْعامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ:


(١) الْأَظْهر أنّه شَقِيق بن سَلمَة الْأَسدي الْكُوفِي من أَصْحَاب ابْن مَسْعُود توفّي فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز، وَيحْتَمل أنّه عبد الله بن بحير- بموحدة مَفْتُوحَة فحاء مُهْملَة مَكْسُورَة- الْمرَادِي الصَّنْعَانِيّ القاصّ، وثّقه ابْن معِين.