للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ

الْإِبْطَالِ وَالْإِنْكَارِ أَنْ يَتَوَجَّهَ سُؤَالٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ مَشُوبٌ بِإِنْكَارٍ. عَمَّنِ اتَّصَفَ بِزِيَادَةِ ظُلْمِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ لِيُضِلُّوا النَّاسَ، أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَؤُلَاءِ المخاطبين قد افتروا على الله كذبا، ثَبت أنّهم من الْفَرِيق الّذي هُوَ أَظْلَمُ الظَّالِمِينَ.

وَالْمُشْرِكُونَ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ وَضَعَ الشِّرْكَ وَهُمْ كُبَرَاءُ الْمُشْرِكِينَ: مِثْلُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ، وَاضِعُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَأَوَّلُ مَنْ جَعَلَ الْبَحِيرَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالْحَامِيَ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنْ طَوَاغِيتِ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ سَنُّوا لَهُمْ جَعْلَ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِبُيُوتِ الْأَصْنَامِ وَسَدَنَتِهَا، فَهَؤُلَاءِ مُفْتَرُونَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنِ اتَّبَعَ أُولَئِكَ بِعَزْمٍ وَتَصَلُّبٍ وَشَارَكُوهُمْ فَهُمُ اتَّبَعُوا أُنَاسًا لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِأَنْ يُبَلِّغُوا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ حَقُّهُمْ أَنْ يَتَوَخَّوْا مَنْ يَتَّبِعُونَ وَمَنْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ وَهُمُ الرُّسُلُ، فَمِنْ ضَلَالِهِمْ أَنَّهُمْ لَمَّا جَاءَهُمُ الرَّسُولُ الْحَقُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَذَّبُوهُ، وَقَدْ صَدَّقُوا الْكَذَبَةَ وَأَيَّدُوهُمْ وَنَصَرُوهُمْ.

وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ مِنَ الظُّلْمِ أَنْ يُقْدِمَ أَحَدٌ عَلَى الْإِفْتَاءِ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُفْتِي بِالصَّوَابِ الَّذِي يُرْضِي اللَّهَ، وَذَلِكَ إِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَبِالِاسْتِنَادِ إِلَى الدَّلِيلِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ مُصَادَفَتُهُ لِمُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَبِالِاسْتِنَادِ إِلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَذْهَبُ إِمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ.

وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ عِلْمٍ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ آنِفًا.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَظْلَمِ النَّاسِ، لِأَنَّ مَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي الظُّلْمِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا إِذَا كَانَ ظُلْمُهُمْ لَا إِقْلَاعَ عَنْهُ، لِأَنَّ الضَلَالَ يَزْدَادُ رُسُوخًا فِي النَّفْسِ بِتَكَرُّرِ أَحْوَالِهِ وَمَظَاهِرِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَعَمَّدُوا الْإِضْلَالَ أَوِ اتَّبَعُوا مُتَعَمِّدِيهِ عَنْ تَصَلُّبٍ، فَهُمْ بِمَعْزِلٍ عَنْ تَطَلُّبِ الْهُدَى وَإِعَادَةِ النَّظَرِ فِي حَالِ أَنْفُسِهِمْ، وَذَلِكَ يُغْرِيهِمْ