للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَنَفْيُ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ آمَنَّا دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ وَأَنَّ النُّطْقَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِيمَانِ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ النُّطْقُ إِيمَانًا، وَالْإِيمَانُ فِي الشَّرْعِ هُوَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ بِثُبُوتِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنَ الدِّينِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِحَيْثُ يَكُونُ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ عِنْد جَمِيع أَئِمَّة الدِّينِ وَيَشْتَهِرُ كَوْنُهُ مِنْ مُقَوِّمَاتِ الِاعْتِقَادِ الْإِسْلَامِيِّ اللَّازِمِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ اشْتِهَارًا بَيْنَ الْخَاصَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ الدِّينِ وَالْعَامَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ لَا نِزَاعَ فِيهِ فَقَدْ نُقِلَ الْإِيمَانُ فِي الشَّرْعِ إِلَى تَصْدِيقٍ خَاصٍّ وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ

الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عُمَرَ أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ فَسَأَلَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» .

وَقَدِ اخْتَلَفَتْ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ فِي مَاهِيَّةِ الْإِيمَانِ مَا هُوَ وَتَطَرَّقُوا أَيْضًا إِلَى حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَنَحْنُ نَجْمَعُ مُتَنَاثِرَ الْمَنْقُولِ مِنْهُمْ مَعَ مَا لِلْمُحَقِّقِينَ مِنْ تَحْقِيقِ مَذَاهِبِهِمْ فِي جُمْلَةٍ مُخْتَصَرَةٍ.

وَقَدْ أَرْجَعْنَا مُتَفَرِّقَ أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ إِلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ قَالُوا إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ لَا مُسَمَّى لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيُّ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُنْقَلَ مِنْ مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ إِلَّا أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى تَصْدِيقٍ خَاصٍّ بِأَشْيَاءَ بَيْنَهَا الدِّينُ وَلَيْسَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْعَامِّ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ بِنَقْلِهِ لَهُ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَغَلَبَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِيِّينَ عَلَى ذَلِكَ التَّصْدِيقِ وَاحْتَجُّوا بِعِدَّةِ أَدِلَّةٍ هِيَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَلَكِنَّهَا كَثِيرَةٌ كَثْرَةً تُلْحِقُهَا بِالْمُسْتَفِيضِ.

مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ جِبْرِيلَ الْمُتَقَدِّمُ

وَحَدِيثُ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ «يَا رَسُول الله: مَالك عَنْ فُلَانٍ فَإِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ: أَوْ مُسْلِمًا»

، قَالُوا وَأَمَّا النُّطْقُ وَالْأَعْمَالُ فَهِيَ مِنَ الْإِسْلَامِ لَا مِنْ مَفْهُومِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ بِالْجَسَدِ دُونَ الْقَلْبِ وَدَلِيلُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا اللُّغَةُ وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا [الحجرات: ١٤] وَلِمَا

رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ لِمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا،

وَنَسَبَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي «الْمُدَوَّنَةِ» : «مَنِ اغْتَسَلَ وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِقَلْبِهِ أَجْزَأَهُ» قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ إِسْلَامَهُ بِقَلْبِهِ فَلَوْ مَاتَ مَاتَ مُؤْمِنًا، وَهُوَ