وَ (تَعَالَ) فِعْلُ أَمْرٍ، أَصْلُهُ يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ يُرَادُ صُعُودُهُ إِلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ فَوْقَ مَكَانِهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَادَوْا إِلَى أَمْرٍ مُهِمٍّ ارْتَقَى الْمُنَادِي عَلَى رَبْوَةٍ لِيُسْمَعَ صَوْتُهُ، ثُمَّ شَاعَ إِطْلَاقُ (تَعَالَ) عَلَى طَلَبِ الْمَجِيءِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ فَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، فَأَصْلُهُ فِعْلُ أَمْرٍ لَا مَحَالَةَ مِنَ التَّعَالِي وَهُوَ تَكَلُّفُ الِاعْتِلَاءِ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى طَلَبِ الْإِقْبَالِ مُطْلَقًا، فَقِيلَ: هُوَ اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ بِمَعْنَى (اقْدَمْ) ، لِأَنَّهُمْ وَجَدُوهُ غَيْرَ مُتَصَرِّفٍ فِي الْكَلَامِ إِذْ لَا يُقَالُ: تَعَالَيْتُ بِمَعْنَى (قَدِمْتُ) ، وَلَا تَعَالَى إِلَيَّ فُلَانٌ بِمَعْنَى جَاءَ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدْ لَزِمَتْهُ عَلَامَاتٌ مُنَاسِبَةٌ لِحَالِ الْمُخَاطَبِ بِهِ فَيُقَالُ: تَعَالَوْا وَتَعَالَيْنَ. وَبِذَلِكَ رَجَّحَ جُمْهُورُ النُّحَاةِ أَنَّهُ فِعْلُ أَمْرٍ وَلَيْسَ بِاسْمِ فِعْلٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْمَ فِعْلٍ لَمَا لَحِقَتْهُ الْعَلَامَاتُ، وَلَكَانَ مِثْلَ: هَلُمَّ وَهَيْهَاتَ.
وأَتْلُ جَوَابُ تَعالَوْا، وَالتِّلَاوَةُ الْقِرَاءَةُ، وَالسَّرْدُ وَحِكَايَةُ اللَّفْظِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ [الْبَقَرَة: ١٠٢] . وأَلَّا تُشْرِكُوا تَفْسِيرٌ لِلتِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْقَوْلِ.
وَذُكِرَتْ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ اللُّحُومِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الِاهْتِمَامَ بِالْمُحَرَّمَاتِ الْفَوَاحِشِ أَوْلَى مِنَ الْعُكُوفِ عَلَى دِرَاسَةِ أَحْكَامِ الْأَطْعِمَةِ، تَعْرِيضًا بِصَرْفِ الْمُشْرِكِينَ هِمَّتَهُمْ إِلَى بَيَانِ الْأَطْعِمَةِ وَتَضْيِيعِهِمْ تَزْكِيَةَ نُفُوسِهِمْ وَكَفِّ الْمَفَاسِدِ عَنِ النَّاسِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ- إِلَى قَوْلِهِ- إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها [الْأَعْرَاف: ٣٢، ٣٣] الْآيَةَ.
وَقَدْ ذُكِرَتِ الْمُحَرَّمَاتُ: بَعْضُهَا بِصِيغَةِ النَّهْيِ، وَبَعْضُهَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الصَّرِيحِ أَوِ الْمُؤَوَّلِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، وَنُكْتَةُ الِاخْتِلَافِ فِي صِيغَةِ الطَّلَبِ لَهَاتِهِ الْمَعْدُودَاتِ سَنُبَيِّنُهَا.
وَأَن تَفْسِيرِيَّةٌ لِفِعْلِ: أَتْلُ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ. فَجُمْلَةُ: أَلَّا تُشْرِكُوا فِي مَوْقِعِ عَطْفِ بَيَانٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute