للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِابْتِدَاءُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْإِشْرَاكِ لِأَنَّ إِصْلَاحَ الِاعْتِقَادِ هُوَ

مِفْتَاحُ بَابِ الْإِصْلَاحِ فِي الْعَاجِلِ، وَالْفَلَاحِ فِي الْآجِلِ.

وَقَوْلُهُ: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً عَطْفٌ على جملَة: أَلَّا تُشْرِكُوا. وإِحْساناً مَصْدَرٌ نَابَ مَنَابَ فِعْلِهِ، أَيْ وَأَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وَهُوَ أَمْرٌ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا فَيُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ: وَهُوَ الْإِسَاءَةُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَبِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَقَعَ هُنَا فِي عِدَادِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْإِسَاءَةُ لِلْوَالِدَيْنِ. وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنِ النَّهْيِ عَنِ الْإِسَاءَةِ إِلَى الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ اعْتِنَاءً بِالْوَالِدَيْنِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِرَّهُمَا، وَالْبِرُّ إِحْسَانٌ، وَالْأَمْرُ بِهِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنِ الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِمَا بِطَرِيقِ فَحْوَى الْخِطَابِ، وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ أَهْلَ جلافة، فَكَانَ الْأَوْلَاد لَا يُوَقِّرُونَ آبَاءَهُمْ إِذَا أَضْعَفَهُمُ الْكِبَرُ. فَلِذَلِكَ كَثُرَتْ وِصَايَةُ الْقُرْآنِ بِالْإِحْسَانِ بِالْوَالِدَيْنِ.

وَقَوْلُهُ: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ جُمْلَةٌ عُطِفَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا أُرِيدَ بِهِ النَّهْيُ عَنِ الْوَأْدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ [١٣٧] : وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ. وَ (مِنْ) تَعْلِيلِيَّةٌ، وَأَصْلُهَا الِابْتِدَائِيَّةُ فَجُعِلَ الْمَعْلُول كأنّه مبتدىء مِنْ عِلَّتِهِ.

وَالْإِمْلَاقُ: الْفَقْرُ، وَكَوْنُهُ عِلَّةً لِقَتْلِ الْأَوْلَادِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ (مِنْ) التَّعْلِيلِيَّةُ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَقَّعَ الْحُصُولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى، فِي آيَةِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [٣١] : وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَئِدُونَ بَنَاتَهُمْ إِمَّا لِلْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِهِنَّ وَإِمَّا لِتَوَقُّعٍ ذَلِكَ. قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ خَلَفٍ، وَهُوَ إِسْلَامِيٌّ قَدِيمٌ:

إِذَا تَذَكَّرْتُ بِنْتِي حِينَ تَنْدُبُنِي ... فَاضَتْ لِعَبْرَةِ بِنْتِي عَبْرَتِي بِدَمِ

أُحَاذِرُ الْفَقْرَ يَوْمًا أَنْ يُلِمَّ بِهَا ... فَيُكْشَفُ السِّتْرُ عَنْ لَحْمٍ عَلَى وَضَمِ