وَوُصِفَتْ بِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَأْكِيدًا لِلتَّحْرِيمِ بِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ قَدِيمٌ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ قَتْلَ النَّفْسِ مِنْ عَهْدِ آدَمَ، وَتَعْلِيقُ التَّحْرِيمِ بِالنَّفْسِ: هُوَ عَلَى وَجْهِ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ، أَيْ حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي تَعْلِيقِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ بِأَعْيَانِ الذَّوَاتِ أَنَّهُ يُرَادُ تَعْلِيقُهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي تُسْتَعْمَلُ تِلْكَ الذَّاتُ فِيهِ كَقَوْلِهِ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ [الْمَائِدَة: ١] أَيْ، أَكْلُهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى: حَرَّمَ اللَّهُ جَعَلَهَا اللَّهُ حَرَمًا أَيْ شَيْئًا مُحْتَرما لَا يعتدى عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها [النَّمْل: ٩١] .
وَفِي الْحَدِيثِ: «وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا»
. وَقَوله: إِلَّا بِالْحَقِّ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ من عُمُوم أَحْوَال مُلَابَسَةَ الْقَتْلِ، أَيْ لَا تَقْتُلُوهَا فِي أَيَّةِ حَالَةٍ أَوْ بِأَيِّ سَبَبٍ تَنْتَحِلُونَهُ إِلَّا بِسَبَبِ الْحَقِّ، فَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَوِ السَّبَبِيَّةِ.
وَالْحَقُّ ضِدُّ الْبَاطِلِ، وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي حَقَّ، أَيْ ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ بَاطِلٍ فِي حُكْمِ الشَّرِيعَةِ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ الْبَرِيئَةِ مِنْ هَوًى أَوْ شَهْوَةٍ خَاصَّةٍ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ الَّذِي اتَّفَقَتِ الْعُقُولُ عَلَى قَبُولِهِ، وَهُوَ مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الشَّرَائِعُ، أَوِ الَّذِي اصْطَلَحَ أَهْلُ نَزْعَةٍ خَاصَّةٍ عَلَى أَنَّهُ يَحِقُّ وُقُوعُهُ وَهُوَ مَا اصْطَلَحَتْ عَلَيْهِ شَرِيعَةٌ خَاصَّةٌ بِأُمَّةٍ أَوْ زَمَنٍ.
فَالتَّعْرِيفُ فِي: الْحَقِّ لِلْجِنْسِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَاهِيَّةُ الْحَقِّ الْمُتَقَدِّمِ شَرْحُهَا، وَحَيْثُمَا أُطْلِقَ فِي الْإِسْلَامِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَاهِيَّتُهُ فِي نَظَرِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ فَصَّلَ الْإِسْلَامُ حَقَّ قَتْلِ النَّفْسِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ قَتْلُ الْمُحَارِبِ وَالْقِصَاصُ، وَهَذَانِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَتْلُ الْمُرْتَدِّ عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ، وَقَتْلُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَقَتْلُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَ إِنْظَارِهِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَرَدَتْ بِهَا أَحَادِيثُ عَن النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُ الْقَتْلُ النَّاشِئُ عَنْ إِكْرَاهٍ وَدِفَاعٍ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا وَذَلِكَ قَتْلُ مَنْ يُقْتَلُ مِنَ الْبُغَاةِ وَهُوَ بِنَصِّ
الْقُرْآنِ، وَقَتْلُ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ مَانِعِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute