وَقَوْلِهِ:- وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النَّحْل: ١٥] أَيْ لِتَجَنُّبِ مَيْدِهَا بِكُمْ، وَقَوْلُ عَمْرو بن كثلوم:
فَعَجَّلْنَا الْقِرَى أَنْ تَشْتُمُونَا وَهَذَا الْقَوْلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَدَرَ عَنْهُمْ مِنْ قَبْلُ، فَقَدْ جَاءَ فِي آيَةِ سُورَةِ الْقَصَصِ [٤٨] : فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَقَّعًا ثُمَّ قَالُوهُ مِنْ بَعْدُ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَإِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ أَنْ يُكَرِّرُوهُ وَيُعِيدُوهُ قَوْلًا مُوَافِقًا لِلْحَالِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَكَانَ متوقّعا صدوره عِنْد مَا يَتَوَّجَهُ الْمَلَامُ عَلَيْهِمْ فِي انْحِطَاطِهِمْ عَنْ مُجَاوَرِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ حَيْثُ اسْتِكْمَالِ الْفَضَائِلِ وَحُسْنِ السَّيْرِ وَكَمَالِ التَّدَيُّنِ، وَعِنْدَ سُؤَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ عَنِ اتّباع ضلالهم، وَعند مَا يُشَاهِدُونَ مَا يَنَالُهُ أَهْلُ الْمِلَلِ الصَّالِحَةِ مِنَ النَّعِيمِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فِي ثَوَابِ اللَّهِ فَيَتَطَلَّعُونَ إِلَى حَظٍّ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَعَلَّلُونَ بِأَنَّهُمْ حُرِمُوا الْإِرْشَادَ فِي الدُّنْيَا.
وَقَدْ كَانَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي بِلَادِ الْعَرَبِ عَلَى حَالَةٍ أَكْمَلَ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ النَّابِغَةِ يَمْدَحُ آلَ النُّعْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانُوا نَصَارَى:
مَجَلَّتُهُمْ ذَاتُ الْإِلَهِ وَدِينُهُمْ ... قَوِيمٌ فَمَا يَرْجُونَ غَيْرَ الْعَوَاقِبِ
وَلَا يَحْسِبُونَ الْخَيْرَ لَا شَرَّ بَعْدَهُ ... وَلَا يَحْسِبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لَازِبٍ
وَالطَّائِفَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ الْكَثِيرَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٠٢] ، وَالْمُرَادُ بِالطَّائِفَتَيْنِ هُنَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
وَالْكِتَابُ مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ الْمُنْحَصِرُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ. وَمَعْنَى إِنْزَالُ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute