للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ غُفْرَانِ السَّيِّئَاتِ عِنْدَ التَّوْبَةِ، فَالْعَزْمُ عَلَى الْخَيْرِ هُوَ التَّوْبَةُ، أَيِ الْعَزْمُ عَلَى اكْتِسَابِ الْخَيْرِ، فَوَقَعَ فِي الْكَلَامِ إِيجَازُ حَذْفٍ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الْوَاضِحَةِ. وَالتَّقْدِيرُ: لَا يَنْفَعُ نَفْسًا غَيْرَ مُؤْمِنَةٍ إِيمَانُهَا أَوْ نَفْسًا لَمْ تَكُنْ كَسَبَتْ خَيْرًا فِي إِيمَانِهَا مِنْ قَبْلِ كَسْبِهَا، يَعْنِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ كَسْبِ الْخَيْرِ، مِثْلَ التَّوْبَةِ فَإِنَّهَا بَعْضُ اكْتِسَابِ الْخَيْرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا مُؤْمِنَةً إِيمَانُهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ قَدْ كَسَبَتْ خيرا بِحَيْثُ يضيع الْإِيمَانُ إِذَا لَمْ يَقَعِ اكْتِسَابُ الْخَيْرِ، لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَمَا كَانَتْ فَائِدَةً لِلتَّقْسِيمِ، وَلَكَفَى أَنْ يُقَالَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكْسِبْ خَيْرًا، ولأنّ الْأَدِلَّةَ الْقَطْعِيَّةَ نَاهِضَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ الْوَاقِعَ قَبْلَ مَجِيءِ الْآيَاتِ لَا يُدْحَضُ إِذَا فَرَّطَ صَاحِبُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَسَلَّمْنَاهُ لَمَا اقْتَضَى أَكْثَرَ مِنْ أَنَّ الَّذِي لم يفعل شَيْئا من الْخَيْرَ عَدَا أَنَّهُ آمَنَ لَا يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ، وَذَلِكَ إِيجَادُ قِسْمٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ.

وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْآيَةَ لَا تَنْهَضُ حُجَّةً لِلْمُعْتَزِلَةِ وَلَا الْخَوَارِجِ الَّذِينَ أَوْجَبُوا خُلُودَ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ غَيْرِ التَّائِبِ فِي النَّارِ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا قَبْلَ التَّأَمُّلِ يُوهِمُ أَنَّهَا حُجَّةٌ لَهُمْ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا لَصَارَ الدُّخُولُ فِي الْإِيمَانِ مَعَ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ عَبَثًا لَا يَرْضَاهُ عَاقِلٌ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي كُلْفَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْمَالِ بِدُونِ جَدْوَى عَلَيْهِ مِنْهَا، وَلَكَانَ أَهْوَنُ الْأَحْوَالِ عَلَى مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ أَنْ يَخْلَعَ رِبْقَةَ الْإِيمَانِ إِلَى أَنْ يَتُوبَ مِنَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَسَخَافَةُ هَذَا اللَّازِمِ لِأَصْحَابِ هَذَا الْمَذْهَبِ سَخَافَةٌ لَا يَرْضَاهَا مَنْ لَهُ نَظَرٌ ثَاقِبٌ. وَالِاشْتِغَالُ بِتَبْيِينِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ نَظْمِ الْآيَةِ مِنْ ضَبْطِ الْحَدِّ الَّذِي يَنْتَهِي عِنْدَهُ الِانْتِفَاعُ بِتَحْصِيلِ الْإِيمَانِ وَتَحْصِيلِ أَعْمَالِ الْخَيْرِ، أَجْدَى مِنَ الْخَوْضِ فِي لَوَازِمِ مَعَانِيهَا مِن اعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ جُزْءًا مِنَ الْإِيمَانِ، لَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِي أَصْلِ الْمَعْنَى مِنَ الِاحْتِمَالِ الْمُسْقِطِ لِلِاسْتِدْلَالِ.