فَصِفَةُ: لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ تَحْذِيرٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ التَّرَيُّثِ عَنِ الْإِيمَانِ خَشْيَةَ أَنْ يَبْغَتَهُمْ يَوْمُ ظُهُورِ الْآيَاتِ، وَهُمُ الْمَقْصُودُ مِنَ السِّيَاقِ. وَصِفَةُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً إِدْمَاجٌ فِي أَثْنَاءِ الْمَقْصُودِ لِتَحْذِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
ثُمَّ إِنَّ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ السَّالِفِينَ، فِي تَصْوِيرِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، تَفَرَّقَتْ تَفَرُّقًا يُؤْذِنُ بِاسْتِصْعَابِ اسْتِخْلَاصِ مَقْصُودِ الْآيَةِ مِنْ أَلْفَاظِهَا، فَلَمْ تُقَارِبِ الْإِفْصَاحَ بِعِبَارَةٍ بَيِّنَةٍ، وَيَجْمَعُ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: عَنِ السُّدِّيِّ، وَالضَّحَّاكِ: أَنَّ مَعْنَى كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً: كَسَبَتْ فِي تَصْدِيقِهَا، أَيْ مَعَهُ أَوْ فِي مُدَّتِهِ، عَمَلًا صَالِحًا، قَالَا: وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مُصَدِّقَةً وَلَمْ تَعْمَلْ قَبْلَ ذَلِكَ، أَيْ إِتْيَانِ بَعْضِ آيَاتِ اللَّهِ، فَعَمِلَتْ بَعْدَ أَنْ رَأَتِ الْآيَةَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا، وَإِنْ عَمِلَتْ قَبْلَ الْآيَةِ خَيْرًا ثُمَّ عَمِلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ خَيْرًا قُبِلَ مِنْهَا.
الثّاني: أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ التَّغْلِيبِ، لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ بِإِيمَانِهِ سَاعَتَئِذٍ هُوَ مَنْ كَسَبَ فِي إِيمَانِهِ خَيْرًا.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْكَلَامَ إِبْهَامٌ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، فَالْمَعْنَى: لَا يَنْفَعُ يَوْمَئِذٍ إِيمَانُ مَنْ لَمْ يَكُنْ آمَنَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ ضَمَّ إِلَى إِيمَانِهِ فِعْلَ الْخَيْرِ، أَيْ لَا يَنْفَعُ إِيمَانُ مَنْ يُؤْمِنُ مِنَ الْكُفَّارِ وَلَا طَاعَةُ مَنْ يُطِيعُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ قَبْلُ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أطَاع قبل نفعته طَاعَتُهُ.
وَقَدْ كَانَ قَوْلُهُ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ بَعْدَ قَوْلِهِ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ، مُقْتَصِرًا عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فِي الْيَوْمِ الْمُؤَجَّلِ لَهُ، إِعْرَاضًا عَنِ التَّعَرُّضِ لِمَا يَكُونُ يَوْمَ تَأْتِي الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِي رَبُّكَ، لِأَنَّ إِتْيَانَ الْمَلَائِكَةِ، وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُحْتَمَلِ الْوُقُوعِ وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُهُ إِبْطَالًا لِقَوْلِهِمْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute