للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا [الْإِسْرَاء: ٩٢] وَنَحْوِهِ من تهكّماتهم، وإنّما الَّذِي يكون مِمَّا انْتَظَرُوهُ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ اللَّهِ، فَهُوَ مَحَلُّ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّحْذِيرِ، وَآيَاتُ الْقُرْآن فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غَافِر: ٨٥] .

وَآيَاتُ اللَّهِ مِنْهَا مَا يَخْتَصُّ بِالْمُشْرِكِينَ وَهُوَ مَا هَدَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا، كَمَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَمِنْهَا آيَاتٌ عَامَّةٌ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، أَيِ الْأَشْرَاطِ الْكُبْرَى.

وَقَدْ جَاءَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي السُّنَّةِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا.

فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» . ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ

، أَيْ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ- إِلَى قَوْلِهِ- خَيْراً.

وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» .

وَفِي «جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ» ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَابٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ مَفْتُوحٌ مسيرَة عرضه أَرْبَعِينَ سَنَةً

(كَذَا) مَفْتُوحٌ لِلتَّوْبَةِ لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»

، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تُعَارِضُ آيَةَ سُورَةِ النِّسَاءِ [١٨] : وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ: لِأَنَّ مَحْمَلَ تِلْكَ الْآيَةِ عَلَى تَعْيِينِ وَقْتِ فَوَاتِ التَّوْبَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَحْوَالِ الْخَاصَّةِ بِآحَادِ النَّاسِ، وَذَلِكَ مَا فُسِّرَ

فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُول الله صلى الله وَعَلِيهِ وسلّم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ

. (وَمَعْنَى يُغَرْغِرُ أَنْ تَبْلُغَ رُوحُهُ- أَيْ أَنْفَاسُهُ- رَأْسَ حَلْقِهِ) .