تَصْحِيحَ أَوْ تَحْسِينَ الْعَطْفِ يَحْصُلُ بِكُلِّ فَاصِلٍ بَيْنَ الْفِعْل الرافع للمستتر وَبَيْنَ الْمَعْطُوفِ، لَا خُصُوصَ الضَّمِيرِ، كَأَنْ يُقَالَ: وَيَا آدَمُ اسْكُنِ الْجَنَّةَ وَزَوْجُكَ، فَمَا اخْتِيرَ الْفَصْلُ بِالضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ إِلَّا لِمَا يُفِيدُ مِنَ التَّعْرِيضِ بِغَيْرِهِ. وَهَذِهِ نُكْتَةٌ فَاتَنِي الْعِلْمُ بِهَا فِي آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَضُمَّهَا إِلَيْهَا أَيْضًا.
وَالْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ يُعْلَمُ مِمَّا مَضَى مِنَ الْكَلَامِ عَلَى نَظِيرِهِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
سِوَى أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٥] وَكُلا بِالْوَاوِ وَهُنَا بِالْفَاءِ، وَالْعَطْفُ بِالْوَاوِ أَعَمُّ، فَالْآيَةُ هُنَا أَفَادَتْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ آدَمَ بِأَنْ يَتَمَتَّعَ بِثِمَارِ الْجَنَّةِ عَقِبَ أَمْرِهِ بِسُكْنَى الْجَنَّةِ. وَتِلْكَ مِنَّةٌ عَاجِلَةٌ تُؤْذِنُ بِتَمَامِ الْإِكْرَامِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ حَاصِلًا فِي تِلْكَ الْحَضْرَةِ، وَكَانَ فِيهِ زِيَادَةُ تَنْغِيصٍ لِإِبْلِيسَ، الَّذِي تَكَبَّرَ وَفَضَّلَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ، كَانَ الْحَالُ مُقْتَضِيًا إِعْلَامَ السَّامِعِينَ بِهِ فِي الْمَقَامِ الَّذِي حُكِيَ فِيهِ الْغَضَبُ عَلَى إِبْلِيسَ وَطَرْدُهُ، وَأَمَّا آيَةُ الْبَقَرَةِ فَإِنَّمَا أَفَادَتِ السَّامِعِينَ أَنَّ اللَّهَ امْتَنَّ عَلَى آدَمَ بِمِنَّةِ سُكْنَى الْجَنَّةِ وَالتَّمَتُّعِ بِثِمَارِهَا، لِأَنَّ الْمَقَامَ هُنَالِكَ لِتَذْكِيرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِفَضْلِ آدَمَ وَبِذَنْبِهِ وَتَوْبَتِهِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ ذَلِكَ الْكَيْدُ الَّذِي هُمْ وَاقِعُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَظِيمٍ.
عَلَى أَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ [٣٥] لَمْ تَخْلُ عَنْ ذِكْرِ مَا فِيهِ تَكْرِمَةٌ لَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: رَغَداً لِأَنَّهُ مَدْحٌ لِلْمُمْتَنِّ بِهِ أَوْ دُعَاءٌ لِآدَمَ، فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ عِدَّةُ مَكَارِمَ لِآدَمَ، وَقَدْ وُزِّعَتْ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي تَوْزِيعِ أَغْرَاضِ الْقَصَصِ عَلَى مَوَاقِعِهَا، لِيَحْصُلَ تَجْدِيدُ الْفَائِدَةِ، تَنْشِيطًا لِلسَّامِعِ، وَتَفَنُّنًا فِي أَسَالِيبِ الْحكَايَةِ، لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَهَمَّ مِنَ الْقَصَصِ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ الْعِبْرَةُ وَالْمَوْعِظَةُ وَالتَّأَسِّي.
وَقَوْلُهُ: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ أَشَدُّ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ أَنْ يَنْهَى عَنِ الْأَكْلِ مِنْهَا، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ قُرْبَانِهَا سَدٌّ لِذَرِيعَةِ الْأَكْلِ مِنْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute