وَجُمْلَةُ: وَنُودُوا مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَقالُوا فَتَكُونُ حَالًا أَيْضًا، لِأَنَّ هَذَا النِّدَاءَ جَوَابٌ لِثَنَائِهِمْ، يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ مَا أَثْنَوْا بِهِ، وعَلى رضى اللَّهِ عَنْهُمْ، وَالنِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ بُنِيَ فِعْلُهُ إِلَى الْمَجْهُولِ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ. وَالنِّدَاءُ إِعْلَانُ الْخِطَابِ، وَهُوَ أَصْلُ حَقِيقَتِهِ فِي اللُّغَةِ، وَيُطْلَقُ النِّدَاءُ غَالِبًا عَلَى دُعَاءِ أَحَدٍ لِيُقْبِلَ بِذَاتِهِ أَوْ بِفَهْمِهِ لِسَمَاعِ كَلَامٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِرَفْعِ صَوْتٍ: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا [مَرْيَم: ٣] وَلِهَذَا الْمَعْنَى حُرُوفٌ خَاصَّةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَناداهُما رَبُّهُما فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٢٢] .
وَ (أَنْ) تَفْسِيرٌ لِ نُودُوا، لِأَنَّ النِّدَاءَ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْجَنَّةِ بِ تِلْكُمُ، الَّذِي حَقُّهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ الْبَعِيدِ، مَعَ أَنَّ الْجَنَّةَ حَاضِرَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِمْ، لِقَصْدِ رِفْعَةِ شَأْنِهَا وَتَعْظِيمِ الْمِنَّةِ بِهَا.
وَالْإِرْثُ حَقِيقَتُهُ مَصِيرُ مَالِ الْمَيِّتِ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَيُقَالُ: أَوْرَثَ الْمَيِّتُ أَقْرِبَاءَهُ مَالَهُ، بِمَعْنَى جَعَلَهُمْ يَرِثُونَهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهُمْ بِالْوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِ فَقَدْ تَرَكَهُ لَهُمْ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مَصِيرِ شَيْء إِلَى حد بِدُونِ عِوَضٍ وَلَا غَصْبٍ تَشْبِيهًا بِإِرْثِ الْمَيِّتِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: أُورِثْتُمُوها أُعْطِيتُمُوهَا عَطِيَّةً هَنِيئَةً لَا تَعَبَ فِيهَا وَلَا مُنَازَعَةَ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سَبَبِيَّةٌ أَيْ بِسَبَبِ أَعْمَالِكُمْ، وَهِيَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَهَذَا الْكَلَامُ ثَنَاءٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ شَكَرَ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ، فَأَعْطَاهُمْ هَذَا النَّعِيمَ الْخَالِدَ لِأَجْلِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا عَمِلُوا مَا عَمِلُوهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا كَانُوا ينوون بعلمهم إِلَّا السَّلَامَةَ مِنْ غَضَبِ رَبِّهِمْ وَتَطَلُّبَ مَرْضَاتِهِ شُكْرًا لَهُ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَمَا كَانُوا يَمْتُونَ بِأَنْ تُوَصِّلَهُمْ أَعْمَالُهُمْ إِلَى مَا نالوه، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الطَّمَعَ فِي ثَوَابِهِ وَالنَّجَاةَ مِنْ عِقَابِهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ أُورِثْتُمُوها وَبَيْنَ بَاءِ السَّبَبِيَّةِ.
فَالْإِيرَاثُ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا عَطِيَّةٌ بِدُونِ قَصْدِ تَعَاوُضٍ وَلَا تَعَاقُدٍ، وَأَنَّهَا فَضْلٌ مَحْضٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ إِيمَانَ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ وَطَاعَتَهُ إِيَّاهُ لَا يُوجِبُ عَقْلًا وَلَا عَدْلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute