للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا يَنْتَظِرُونَ آيَةً أَعْظَمَ إِلَّا تَأْوِيلَ الْكِتَابِ، أَيْ إِلَّا ظُهُورَ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ، وَإِطْلَاقُ الِانْتِظَارِ هُنَا اسْتِعَارَةٌ تَهَكُّمِيَّةٌ: شَبَّهُ حَالَ تَمَهُّلِهِمْ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي سَيَحِلُّ عَلَيْهِمْ فِيهِ مَا أَوْعَدَهُمْ بِهِ الْقُرْآنُ بِحَالِ الْمُنْتَظِرِينَ، وَهُمْ لَيْسُوا بِمُنْتَظِرِينَ ذَلِكَ إِذْ هُمْ جَاحِدُونَ وُقُوعَهُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً [مُحَمَّد: ١٨]- وَقَوْلِهِ- فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ [يُونُس: ١٠٢] وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَيْسَ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ لِأَنَّ الْمَجَازَ فِي فِعْلِ يَنْظُرُونَ فَقَطْ.

وَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ، أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَغْرَاضِ نِسْيَانِهِمْ وَجُحُودِهِمْ بِالْآيَاتِ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي نَظِيرِ هَذَا التَّرْكِيبِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٥٨] .

وَالتَّأْوِيلُ تَوْضِيحُ وَتَفْسِيرُ مَا خَفِيَ، مِنْ مَقْصِدِ كَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ، وَتَحْقِيقُهُ، قَالَ تَعَالَى:

سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [الْكَهْف: ٧٨] وَقَالَ: هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ [يُوسُف: ١٠٠] وَقَالَ: ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النِّسَاء: ٥٩] وَقَدْ تَقَدَّمَ اشْتِقَاقُهُ وَمَعْنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ. وَضَمِيرُ تَأْوِيلَهُ عَائِدٌ إِلَى (كِتَابٍ) مِنْ

قَوْلِهِ: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ [الْأَعْرَاف: ٥٢] .

وَتَأْوِيلُهُ وُضُوحُ مَعْنَى مَا عَدُّوهُ مُحَالًا وَكَذِبًا، مِنَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَرِسَالَةِ رَسُولٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّةِ الْإِلَهِ وَالْعِقَابِ، فَذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ أَيْ تَحْقِيقُهُ وَوُضُوحُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَمَا بَعْدَ الْعَيَانِ بَيَانٌ.

وَقَدْ بَيَّنَتْهُ جُمْلَةُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ إِلَخْ، فَلِذَلِكَ فَصَّلَتْ، لِأَنَّهَا تَتَنَزَّلُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِلْمُرَادِ مِنْ تَأْوِيلِهِ، وَهُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي سَيَظْهَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، بِدَلِيلِ تَعَلُّقِهِ بُقُولِهِ: يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ الْآيَةَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَا يَقُولُونَهُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.