وَإِتْيَانُ تَأْوِيلِهِ مَجَازٌ فِي ظُهُورِهِ وَتَبَيُّنِهِ بِعَلَاقَةِ لُزُومِ ذَلِكَ لِلْإِتْيَانِ.
وَالتَّأْوِيلُ مُرَادٌ بِهِ مَا بِهِ ظُهُورُ الْأَشْيَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ الْقُرْآنِ. فِيمَا أَخْبَرَهُمْ وَمَا تَوَعَّدَهُمْ.
والَّذِينَ نَسُوهُ هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَهُمْ مُعَادُ ضَمِيرِ يَنْظُرُونَ فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: يَقُولُونَ، إِلَّا أَنَّهُ أُظْهِرَ بِالْمَوْصُولِيَّةِ لِقَصْدِ التَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ نَسُوهُ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَأَنْكَرُوهُ، تَسْجِيلًا مُرَادًا بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى خَطَئِهِمْ وَالنَّعْيُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يَجُرُّونَ بِإِعْرَاضِهِمْ سُوءَ الْعَاقِبَةِ لِأَنْفُسِهِمْ.
وَالنِّسْيَانُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِعْرَاضِ وَالصَّدِّ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا [الْأَعْرَاف: ٥١] .
وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ الْمُقَدَّرُ الْمُنْبِئُ عَنْهُ بِنَاءُ (قَبْلُ) عَلَى الضَّمِّ: هُوَ التَّأْوِيلُ، أَوِ الْيَوْمُ، أَيْ مِنْ قَبْلِ تَأْوِيلِهِ، أَوْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَيْ فِي الدُّنْيَا. وَالْقَوْلُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَخْبَارِ مُطَابَقَتُهَا لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ، أَيْ يَتَبَيَّنُ لَهُمُ الْحَقَّ وَيُصَرِّحُونَ بِهِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ اعْتِرَافًا بِخَطَئِهِمْ فِي تكذيبهم الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ، وَلِذَلِكَ جَمَعَ الرُّسُلَ هُنَا، مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنِ المكذّبين محمّدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُمُ الْأَمْثَالَ بِالرُّسُلِ السَّابِقِينَ، وَهُمْ لَمَّا كَذَّبُوهُ جَرَّأَهُمْ تَكْذِيبُهُ عَلَى إِنْكَارِ بِعْثَةِ الرُّسُلِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الْأَنْعَام: ٩١] أَوْ لِأَنَّهُمْ مُشَاهِدُونَ يَوْمَئِذٍ مَا هُوَ عِقَابُ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ عَلَى تَكْذِيبِ رُسُلِهِمْ، فَيَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلُ عَنْ تَأَثُّرٍ بِجَمِيعِ مَا شَاهَدُوهُ مِنَ التَّهْدِيدِ الشَّامِلِ لَهُمْ وَلِمَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْأُمَمِ.
وَقَوْلُهُمْ: قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِخَطَئِهِمْ فِي تَكْذِيبِ
الرُّسُلِ، وَإِنْشَاءٌ لِلْحَسْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِبْدَاءُ الْحَيْرَةِ فِيمَا ذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute