وَإِذْ كَانَتْ جُمْلَةُ لَنا مِنْ شُفَعاءَ وَاقِعَةً فِي حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ، فَالَّتِي عُطِفَتْ عَلَيْهَا تَكُونُ وَاقِعَةً فِي حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ رَفْعُ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَرَفْعُهُ بِتَجَرُّدِهِ عَنْ عَامِلِ النَّصْبِ وَعَامِلِ الْجَزْمِ، فَوَقَعَ مَوْقِعَ الِاسْمِ كَمَا قَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ تَبَعًا لِلْفَرَّاءِ، فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى تَأْوِيلِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، بِرَدِّهَا إِلَى جُمْلَةٍ
فِعْلِيَّةٍ، بِتَقْدِيرِ: هَلْ يَشْفَعُ لَنَا شُفَعَاءُ كَمَا قَدَّرَهُ الزَّجَّاجُ، لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ إِلَى ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ انْتَصَبَ: فَنَعْمَلَ فِي جَوَابِ نُرَدُّ كَمَا انْتَصَبَ فَيَشْفَعُوا فِي جَوَابِ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ.
وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ فِي قَوْلِهِمْ: فَنَعْمَلَ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ، وَهُوَ الْأَهَمُّ، مِثْلُ اعْتِقَادِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْبَعْثِ وَتَصْدِيقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَلِأَنَّهُ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارٌ عَمَلِيَّةٌ، مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ وَامْتِثَالٍ. وَالْمُرَادُ بِالْصِلَةِ فِي قَوْلِهِ: الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ قَوْلِهِمْ: قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ أَيْ فَنَعْمَلُ مَا يُغَايِرُ مَا صَمَّمْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَجُمْلَةُ: قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا تَذْيِيلًا وَخُلَاصَةً لِقِصَّتِهِمْ، أَيْ فَكَانَ حَاصِلُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْآنِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ.
وَالْخَسَارَةُ مُسْتَعَارَةٌ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِمَا يُرْجَى مِنْهُ النَّفْعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، [١٢] وَقَوْلِهِ: فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ [٩] . وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَا أَقْحَمُوا فِيهِ نُفُوسَهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالتَّكْذِيبِ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُفْضٍ بِهِمْ إِلَى تَحَقُّقِ الْوَعِيدِ فِيهِمْ، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ الْقُرْآنُ، فَبِذَلِكَ تَحَقَّقَ أَنَّهُمْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْآنِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَشْعُرُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute