للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ لِلدُّعَاءِ بِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى نَوْعَيْنِ:

فَالْخَوْفُ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَالطَّمَعُ فِي رِضَاهُ وَثَوَابِهِ، وَالدُّعَاءُ لِأَجْلِ الْخَوْفِ نَحْوَ الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالدُّعَاءُ لِأَجَلِ الطَّمَعِ نَحْوَ الدُّعَاءِ بِالتَّوْفِيقِ وَبِالرَّحْمَةِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الدُّعَاءَ يَشْتَمِلُ عَلَى خَوْفٍ وَطَمَعٍ فِي ذَاتِهِ كَمَا فَسَّرَ بِهِ الْفَخْرُ فِي السُّؤَالِ الثَّالِثِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ صَحَّ فِي الطَّمَعِ لَا يَصِحُّ فِي الْخَوْفِ إِلَّا بِسَمَاجَةٍ. وَفِي الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ خَوْفًا وَطَمَعًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ حُظُوظِ الْمُكَلَّفِينَ فِي أَعْمَالِهِمْ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْخَوْفِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ وَالطَّمَعِ فِي ثَوَابِهِ، وَهَذَا مِمَّا طَفَحَتْ بِهِ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ أَتَى الْفَخْرُ فِي السُّؤَالِ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِكَلَامٍ غَيْرِ مُلَاقٍ لِلْمَعْرُوفِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، وَنَزَعَ بِهِ نَزْعَةَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْغُلَاةِ. وَتَعَقُّبُهُ يَطُولُ، فَدُونَكَ فَانْظُرْهُ إِنْ شِئْتَ.

وَقَدْ شَمِلَ الْخَوْفُ وَالطَّمَعُ جَمِيعَ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَغْرَاضُ الْمُسْلِمِينَ نَحْوَ رَبِّهِمْ فِي عَاجِلِهِمْ وَآجِلِهِمْ، لِيَدْعُوا اللَّهَ بِأَنْ يُيَسِّرَ لَهُمْ أَسْبَابَ حُصُولِ مَا يَطْمَعُونَ، وَأَنْ يُجَنِّبَهُمْ أَسْبَابَ حُصُولِ مَا يَخَافُونَ. وَهَذَا يَقْتَضِي تَوَجُّهَ هِمَّتِهِمْ إِلَى اجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ لِأَجْلِ خَوْفِهِمْ مِنَ الْعِقَابِ، وَإِلَى امْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ لِأَجْلِ الطَّمَعِ فِي الثَّوَابِ، فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ اقْتَضَى الْأَمْرَ بِالْإِحْسَانِ، وَهُوَ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ عِبَادَةَ مَنْ هُوَ حَاضِرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَسْتَحْيِي مِنْ أَنْ يَعْصِيَهُ، فَالتَّقْدِيرُ: وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا وَأَحْسِنُوا بِقَرِينَةِ تَعْقِيبِهِ بقوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. وَهَذَا إِيجَازٌ.

وَجُمْلَة: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّفْرِيعِ عَلَى جُمْلَةِ وَادْعُوهُ، فَلِذَلِكَ قُرِنَتْ بِ إِنَّ الدَّالَّةَ عَلَى التَّوْكِيدِ، وَهُوَ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ، إِذْ لَيْسَ الْمُخَاطَبُونَ بِمُتَرَدِّدِينَ فِي مَضْمُونِ الْخَبَرِ، وَمِنْ شَأْنِ (إِنَّ) إِذَا جَاءَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ تُفِيدَ التَّعْلِيلَ وَرَبْطَ مَضْمُونِ جُمْلَتِهَا بِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَتُغْنِي عَنْ فَاءِ التَّفْرِيعِ، وَلِذَلِكَ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَمْ تُعْطَفْ لِإِغْنَاءِ (إِنَّ) عَنِ الْعَاطِفِ.