وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أُبَلِّغُكُمْ- بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ- وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ: بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ مِنَ الْإِبْلَاغِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
وَوَجْهُ الْعُدُولِ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْإِظْهَارِ فِي قَوْلِهِ: رِسالاتِ رَبِّي هُوَ مَا تُؤْذِنُ بِهِ إِضَافَةُ الرَّبِّ إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ لُزُومِ طَاعَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَسَعُهُ إِلَّا تَبْلِيغُ مَا أَمَرَهُ بِتَبْلِيغِهِ، وَإِنْ كَرِهَ قَوْمُهُ.
وَالنُّصْحُ وَالنَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ حُسْنِ النِّيَّةِ وَإِرَادَةِ الْخَيْرِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»
- وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ. وَيَكْثُرُ إِطْلَاقُ النُّصْحِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي فِيهِ تَنْبِيهٌ لِلْمُخَاطَبِ إِلَى مَا يَنْفَعُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الضُّرَّ.
وَضِدُّهُ الْغِشُّ. وَأَصْلُ مَعْنَاهُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ، وَيَكْثُرَ أَنْ يُعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ بِلَامٍ زَائِدَةٍ دَالَّةٍ عَلَى مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ النَّاصِحَ أَرَادَ مِنْ نُصْحِهِ ذَاتَ الْمَنْصُوحِ، لَا جَلْبَ خَيْرٍ لِنَفْسِ النَّاصِحِ، فَفِي ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى إِمْحَاضِ النَّصِيحَةِ، وَأَنَّهَا وَقَعَتْ خَالِصَةً لِلْمَنْصُوحِ، مَقْصُودًا بِهَا جَانِبُهُ لَا غَيْرَ، فَرُبَّ نَصِيحَةٍ يَنْتَفِعُ
بِهَا النَّاصِحُ فَيَقْصِدُ النَّفْعَيْنِ جَمِيعًا، وَرُبَّمَا يَقَعُ تَفَاوُتٌ بَيْنَ النَّفْعَيْنِ فَيَكُونُ تَرْجِيحُ نَفْعِ النَّاصِحِ تَقْصِيرًا أَوْ إِجْحَافًا بِنَفْعِ الْمَنْصُوحِ.
وَفِي الْإِتْيَانِ بِالْمُضَارِعِ دَلَالَةٌ عَلَى تَجْدِيدِ النُّصْحِ لَهُمْ، وَأَنَّهُ غَيْرُ تَارِكِهِ مِنْ أَجْلِ كَرَاهِيَتِهِمْ أَوْ بَذَاءَتِهِمْ.
وَعَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ جَمْعًا لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ مِمَّا تَتَضَمَّنُهُ الرِّسَالَةُ وَتَأْيِيدًا لِثَبَاتِهِ عَلَى دَوَامِ التَّبْلِيغِ وَالنُّصْحِ لَهُمْ، وَالِاسْتِخْفَافِ بِكَرَاهِيَتِهِمْ وَأَذَاهُمْ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَا يعلمونه مِمَّا يَحْمِلُهُ عَلَى الِاسْتِرْسَالِ فِي عَمَلِهِ ذَلِكَ، فَجَاءَ بِهَذَا الْكَلَامِ الْجَامِعِ، وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْإِجْمَالُ الْبَدِيعُ تَهْدِيدًا لَهُمْ بِحُلُولِ عَذَابٍ بِهِمْ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، وَتَنْبِيهًا لِلتَّأَمُّلِ فِيمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute