للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَتَاهُمْ بِهِ، وَفَتْحًا لِبَصَائِرِهِمْ أَنْ تَتَطَلَّبَ الْعِلْمَ بِمَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ شَأْنُهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى تَصْدِيقِهِ وَقَبُولِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ.

ومِنَ ابْتِدَائِيَّةٌ أَيْ: صَارَ لِي عِلْمٌ وَارِدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي تَضَمَّنَهَا هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ هِيَ مَا يُسَلِّمُ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّهَا مِنَ الْهُدَى وَالصَّلَاحِ، وَتِلْكَ هِيَ أَحْوَالُهُ، وَهُمْ وَصَفُوا حَالَهُ بِأَنَّهُ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، فَفِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ نَعْيُ عَلَى كَمَالِ سَفَاهَةِ عُقُولِهِمْ.

وَانْتَقَلَ إِلَى كَشْفِ الْخَطَأِ فِي شُبْهَتِهِمْ فَعَطَفَ عَلَى كَلَامِهِ قَوْلَهُ: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ مُفْتَتِحًا الْجُمْلَةَ بِالِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ أَحَالُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولًا، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، كَمَا وَقَعَتْ حِكَايَتُهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢٤] .

وَاخْتِيرَ الِاسْتِفْهَامُ دُونَ أَنْ يَقُولَ: لَا عَجَبَ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ احْتِمَالَ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مِمَّا يَتَرَدَّدُ فِيهِ ظَنُّ الْعَاقِلِ بِالْعُقَلَاءِ. فَقَوْلُهُ: أَوَعَجِبْتُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْعِ لِقَضِيَّةِ قَوْلِهِمْ: إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الْأَعْرَاف: ٦٠] لِأَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مُقَدِّمَةِ دَلِيلٍ عَلَى بُطْلَانِ مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.

وَحَقِيقَةُ الْعَجَبِ أَنَّهُ انْفِعَالٌ نَفْسَانِيٌّ يَحْصُلُ عِنْدَ إِدْرَاكِ شَيْءٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَجَبُ مَشُوبًا بِإِنْكَارِ الشَّيْءِ الْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ وَاسْتِبْعَادِهِ وَإِحَالَتِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق: ٢، ٣] وَقَدِ اجْتَمَعَ الْمَعْنَيَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ [الرَّعْد: ٥] وَالَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ كِنَايَةٌ

عَنِ الْإِنْكَارِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [هود: ٧٣] أَنْكَرُوا عَلَيْهَا أَنَّهَا عَدَّتْ وِلَادَتَهَا وَلَدًا، وَهِيَ عَجُوزٌ، مُحَالًا.

وَتَنْكِيرُ ذِكْرٌ ورَجُلٍ لِلنَّوْعِيَّةِ إِذْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِذِكْرٍ دُونَ ذِكْرٍ